"حيوات غزة المتعددة" ونضالها في صور

06 يناير 2024
على شاطئ خانيونس العام الماضي (يوسف مسعود/ Getty)
+ الخط -

 

"حيوات غزة المتعددة" هو عنوان المعرض الذي يستضيفه بيرمونسي بروجكت سبيس Bermondsey Project Space في لندن حتى اليوم السبت، ويضم مجموعة متنوعة من الصور الفوتوغرافية التي التُقطت في قطاع غزة على مدى عقود.

يستند المعرض الذي نُظم على مدار ثلاثة أيام إلى أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي من الصور الفوتوغرافية، ليروي قصة مختلفة لفلسطين، بعيداً عن مشاهد القصف والمنازل المهدمة وصور الضحايا.

تأخذنا الصور في رحلة عبر الزمن لرؤية الحياة اليومية في هذه المساحة المحاصرة التي تقاوم من أجل الحرية رغم تعرض سكانها لأشكال العنف والتنكيل كافة. كانت غزة منطقة نابضة بالحياة يتألف معظمها من قرى وبلدات صيد الأسماك، إلى أن تغير الوضع بعد عام 1948.

بداية من عام النكبة قامت العصابات الصهيونية بطرد الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم وتخريب مئات القرى. ومع ذلك، تمكن الفلسطينيون من إعادة بناء حياتهم من جديد بموارد محدودة. في غزة اليوم ثمانية مخيمات للاجئين وعدد سكان يقترب من المليونين ونصف، بينهم أكثر من مليون لاجئ نزحوا إليها من القرى والبلدات المحيطة.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الفلسطينيون يعيشون في هذه الأرض، ويتحدون الواقع الكارثي بمرونة. ومن خلال الفنون البصرية والتصوير الفوتوغرافي، سجلوا ذكريات وفيرة عن أنفسهم وعن أسلافهم. تلخص الصور التي يضمها المعرض قصة شعب يناضل منذ أكثر من 75 عاماً.

كما تُظهر الصور، لم تتوقف الحياة في غزة رغم كل ما حدث، فهنا صورة لعائلة على شاطئ البحر، وصور أخرى لصيادين وأطفال يلهون إلى جانب البيت، وحفلات عرس، وفتيات داخل فناء المدرسة، ومزارعون يحصدون ثمار تعبهم. رجال ونساء وأطفال مقبلون على الحياة، ويناضلون بإصرار من أجل البقاء على هذه الأرض، وعلى وجوههم ترتسم البهجة. تطالعنا هنا صورة لعائلة فلسطينية مهجرة من مخيم جباليا للاجئين الواقع شمال قطاع غزة. تعود الصورة إلى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وتضم خمسة عشر فرداً يمثلون أربعة أجيال، بينهم نساء ورجال وصبية وأطفال صغار تتوسطهم الجدة.

صورة أخرى تعود إلى عام 1987 لصيادين يتسامرون على شاطئ البحر بينما يرتبون شباكهم استعداداً لجولة أخرى من الصيد. بين الصور تطالعنا كذلك صورة بالأبيض والأسود تعود إلى خمسينيات القرن الماضي لسيدة تدعى أديل عازار تحمل في يدها صورة صغيرة لابنها الشهيد. يتكرر المشهد الأخير في صور أخرى، فثمة العشرات من الآباء والأمهات الذين شيّعوا أبناءهم وأحفادهم خلال العقود الماضية، لكنهم جميعاً صامدون ومتمسكون بجذورهم وأرضهم.

الصور التي يضمها المعرض تمثل جانباً من أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي، والذي يضم وثائق متنوعة؛ من أوراق ثبوتية وسجلات رسمية ورسائل ومذكرات ويوميات ومخطوطات وخرائط وصور فوتوغرافية وأفلام وتسجيلات صوتية. كانت هذه الوثائق والصور جميعها مهددة بالضياع أو التلف أو المصادرة، ولهذا تمت رقمنة هذه المواد لتصبح متاحة على موقع إلكتروني مفتوح للمستخدمين داخل فلسطين وخارجها، وباللغتين العربية والإنكليزية.

تضيء هذه المواد على جوانب متعددة من الحياة والتاريخ والإرث الفلسطيني، ويمكن للمتصفح أن يستكشف الأرشيف عن طريق المجموعات المختلفة التي قدمها المئات من الفلسطينيين كي تحفظ للأجيال المقبلة.

كما يمكن تصفح الموقع عبر فئات تختصر الكثير من جوانب الحياة الفلسطينية، كالثقافة والفنون والمقاومة والنضال والتهجير والشتات والحراك الاجتماعي والمؤسسي والحياة اليومية والتعليم والمرأة وغيرها.

انطلقت المرحلة الأولى من هذا المشروع عام 2018 بحوالي 20 ألف وثيقة، وهو يضم اليوم أكثر من مئة وخمسين ألف وثيقة تغطي مظاهر الحياة كافة والأنشطة المتنوعة للفلسطينيين في المجالات كافة، سواء في فلسطين التاريخية أو خارجها. تعد هذه المنصة مرجعاً موثوقاً وشبه شامل عن تاريخ فلسطين السياسي والاجتماعي والثقافي.

يوثق هذا الأرشيف مثلاً لتاريخ المسرح الفلسطيني والفنون الشعبية الفلسطينية، ويضم إلى جانب الصور ملفات صوتية وفيديوهات تركز على بدايات تأسيس هذه الفرق الشعبية منذ أواخر السبعينيات.

يمتد هذا الأرشيف ليشمل وثائق تعود إلى عام 1800 جُمعت من أفراد ومؤسسات من مختَلف مناطق فلسطين التاريخية، وكذلك من لبنان والأردن، بهدف حماية الموروث التاريخي الفلسطيني المعرض للخطر والمحافظة عليه. يعتمد المشروع على التوثيق الرقمي كأداة لمواجهة أي أخطار أو تهديدات قد تتعرض لها الوثائق، إضافة إلى حفظ الذاكرة الجمعية وتوثيقها ونشرها، لتكون مرجعاً للباحثين في التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي لفلسطين.

المساهمون