حكواتي: عاقد الحاجبين.. يُمهِل ولا يُهمِل

22 ابريل 2014
+ الخط -
أربع سنوات متواصلة، منذ أن سكنت تلك البناية تحديداً، كلّما صادفني الرجل الذي يقطن فوق شقتنا، يروح يرمقني بنظرة غضب... أصادفه على باب المصعد فيقطّب حاجبيه دون سلام أو كلام، ويدخل فيدير ظهره لي. استفزني الموضوع، لكن لسبب ما تمنّعت عن سؤاله عن مغزى تصرّفه هذا. 
أصعد الدرج في غياب التيّار الكهربائي، فأصادفه، ليكرّر فعلته. لم يتكلم يوماً معي، ولا حتّى سمعت صوته. وفي كلّ مرةّ تزداد حيرتي وأروح أتذكر إذا ما بدر منّي أية إساءة غير متعمّدة اتجاهه.  
عرفت من أحد السكان أنّه رجل ودود. وهو بأيّة حال ليس غليظاً أو دائم المبسم. والأمر دفعني إلى حيرة إضافية. فحاولت مجدّداً أن أتذكّر هفوة ما بدرت منّي اتجاهه ونسيتها: هل ركنت سيارتي أمام سيارته يوماً ومنعته من الخروج؟ أو هل أقفلت عليه باب البناية الأساسي عن طريق الخطأ خلال قدومه؟... أسئلة كثيرة راودتني، لكن لا إجابة.
عقدت العزم على سؤاله. فقد بلغ الأمر حدّا لا يُطاق من تصرّفات الرجل اتجاهي. آخرها، حسبما أبلغني الفاكهاني، صاحب الدكّان أوّل الحي، أنّه حمّل الرجل سلاماً إليّ فغضب، وقال له: "روح إنت سلّم عليه.. شو هالعالم؟!".
حسمت قراري وانتظرت على شرفتي قدوم الرجل. ركن سيارته ودخل المبنى. فطلبت المصعد قبله حتّى أفتعل صدفة تمكنّني من فتح نقاش معه. حصل ذلك. وصلت الطبقة الأرضية ففتحت الباب. وسرعان ما قطّب حاجبيه بشدّة. حتّى أنّ تعابير وجهه القاسية بدت مخيفة. لكنّني لن أتراجع هذه المرّة:
-  شوف عمّ. صَرلَك من أوّل ما شفتني وإنتَ بتعبس.. خير؟ شو عامل معك أنا؟ لإنّو إذا ما في سبب رح اعتبرها إهانة، وهون مش مسؤول بقا عن تصرّفاتي..
هنا بدت سمات الغضب على الرجل أكثر حدّة وقال بصوت جهوريّ:
- اسأل أبوك.. أبو عامر عيتاني.. قلّو شو عامل مع الحاج جراب؟
- بس أنا بيّي اسمو أبو رياض.
هنا تبدّلت معالم وجه الرجل. بدا مندهشا وسألني باستغراب شديد:
- بيّك مش أبو عامر؟ يلّلي ساكن عالنويري؟ 
- له يا خيي..بغير منطقة.. وما بعرف أبو عامر حتّى.
انفرجت أسارير الرجل وضحك مطوّلا وقال:
- ما تواخذني مفتكرك ابنو لأبو عامر.
الغضب لم يفارق مواجهتنا بالطبع. فورّثت في لحظتها عبسته كلّها. دفعته دفعة خفيفة إلى الخلف، وأدرت ظهري... ومنذ ذلك اليوم كلّما صادفني يهرول لمصافحتي، وأنا أعقد حاجبيّ و أعبس في وجهه: على الدّرج، عند المصعد، في كاراج السيارات...
وطبعا أنا سعيد بثأر عمره 4 سنوات.
يُمهِل ولا يُهمِل.
 
 
دلالات
المساهمون