خلص تقرير حقوقي جديد إلى أن قرارات حظر النشر في مصر تهدف كلها لحماية المتهمين فيها من المنتمين إلى السلطات الرسمية، مثل الوزراء، والقضاة، والضباط، وكبار الموظفين.
ورصد التقرير الصادر عن مؤسسة "حرية الفكر والتعبير" المصرية غير الحكومية القضايا التي صدر فيها قرار بحظر النشر، بعد تورط أحد موظفي الدولة فيها بوصفهم متهمين، في تقرير عنوانه "لدينا ما نخفيه" يوم أمس الجمعة.
يطبق حظر النشر في مصر بطريقتين: إما بقرارات استثنائية يصدرها النائب العام أو الجهة القضائية المنوط بها النظر في القضية بمنع نشرٍ مطلق أو منع نشرِ معلومات بعينها في قضية ما، أو بمنع تام لا يستدعي إصدار قرارات استثنائية في القضايا والموضوعات التي أقر القانون المصري بنصوص مباشرة حظر النشر فيها.
في قضايا الفساد المالي والإداري، رصد التقرير قرارت بحظر النشر في 10 قضايا على الأقل، خلال سنوات حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك (1928 ــ 2020)، من بينها قضية سكرتير وزير الثقافة السابق محمد فودة الذي ألقي القبض عليه عام 1997 ومعه محافظ الجيزة السابق ماهر الجندي. تحفظت النيابة حينها على تسجيلات بين فودة ومسؤولين كبار في الدولة تخص قضايا فساد ورشوة، وأصدرت قرارها بحظر النشر لأي أخبار أو معلومات عن القضية قبل إدانته والحكم عليه بالسجن خمس سنوات.
بعد ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011، كررت السلطة النمط نفسه، وجاء قرار حظر النشر في قضية محاكمة مبارك ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي و6 من مساعديه، بتهمة قتل المتظاهرين والإضرار بالمال العام عبر تصدير الغاز إلى إسرائيل. كذلك قررت محكمة جنايات الجيزة، عام 2012، حظر النشر في القضية المشهورة إعلامياً باسم "سخرة المجندين"، المتهم فيها أيضاً العادلي وعدد من معاونيه.
توالت القرارات بحظر النشر في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، فعام 2014 أصدر النائب العام قراراً بحظر النشر في قضية تلقِّي رشوة، والمتهم فيها رئيس هيئة موانئ بورسعيد و6 آخرون، وصدر الحكم عليه بالسجن المشدد لـ5 سنوات. وعام 2017، صدر حظر النشر في قضية رشوة وزارة الزراعة المتهم فيها وزير الزراعة صلاح هلال و3 من أفراد عائلته. وحكم على المتهم ومدير مكتبه بالسجن عشر سنوات وبغرامة قيمتها مليون جنيه.
في 22 أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، حظرت محكمة جنايات الإسكندرية النشر في قضية مقتل خالد سعيد على يد الشرطة المصرية، وكان قد حكم على المتهمَين بالسجن لمدة 7 سنوات، لكنهما استأنفا الحكم، ثم أطلق سراحهما لانتهاء فترة الاحتجاز الوقائي.
وعام 2015 صدرت قرارات بحظر النشر في قضيتي مقتل شيماء الصباغ ومقتل المحامي كريم حمدي. اتهم أحد ضباط الأمن المركزي بقتل الصباغ خلال اشتراكها في وقفة سلمية، وحكم عليه بالسجن 15 عاماً، ثم طعن على الحكم، وأعيدت المحاكمة، ليصبح 10 سنوات سجناً مشدداً. أما قضية مقتل حمدي فانتهت بتبرئة المتهمين عام 2017.
وسأل التقرير "هل استخدم حظر النشر في تلك القضايا كمقدمة للعبث بأدلتها؟ بما يحتويه ذلك على إفلات للجناة من العقاب وإهدار لحق المجتمع في العدالة ومعرفة الحقيقة، بل وإهدار لقيمة القانون نفسه، وما تحققه العقوبات المطبقة على المجرمين من ردع عام لغيرهم وردع خاص لهم، يمنعهم من العودة إلى تكرار الجرم". وأجاب التقرير: "قد تكون الإجابة بنعم وقد تكون بلا. إذ إن حظر النشر عادة ما يثير الشبهات، بدلاً من إتاحة وتداول المعلومات وترسيخ الحق في المعرفة للجمهور في ما يتعلق بالقضايا التي تنظرها السلطة القضائية، وخصوصاً التي يُتهم فيها موظفون رسميون".