حصاد المسلسلات العربية: الرابحون والخاسرون في رمضان

02 مايو 2022
حقق مسلسل "من شارع الهرم إلى..." نجاحاً لافتاً (فيسبوك)
+ الخط -

يصح تسمية موسم دراما 2022 بموسم التراجع. هذا هو بالضبط حال الدراما العربية التي لا تزال تكافح بحثًا عن مكامن القوة في الإنتاج والعرض والاستثمار.
دراما المنصّات أضعفت حماس المنتجين وأبطأت السباق الرمضاني. كان ذلك واضحًا في الأعمال التي تُعرَف بـ"الأعمال المشتركة"، والتي فضّل المنتجون تأجيلها إلى ما بعد الموسم الرمضاني، وبرروا ذلك بأنّ الوقت لم يكن لصالح فريق العمل.
ورغم ادعاء البعض تصوير أفكار مسلسلاتهم بأنها انعكاس للواقع، ولكن هذا الأمر بعيد عن التصديق. إذْ لا يمكن قبول فرض بعض الكتاب هذا الشكل الطوباوي المطروح في الأعمال، والقول بأنّها تتناول أحداثًا حقيقية أو سيرًا حصلت في مدينة الرقة السورية مثلاً، إبان سيطرة تنظيم "داعش". لا يمكن أن نقبل أنّ هذه دراما تحذّر من "فخ الإرهاب"، لأنّ هذا يتنافى مع صناعة ومبادئ الدراما. الكاتب لا يمكن أن يتحوّل إلى "داعية"، وليس من المسموح أن يخرج من شرط القصة والسيناريو، بل يجب عليه أن يقدم مادة مصورة مكتملة العناصر، تحتوي جميع الآراء، وتتناول كلّ الأبعاد وخلفيات القصص التي تحوَّلت إلى مسلسلات طويلة.
الواقع اليومي الذي يتخبط فيه العالم العربي ألقى بظلاله هذه السنة أيضًا على الصناعة الدرامية. المصريون مثلاً خاضوا تجربة الدراما الاجتماعية في أكثر من عمل جيد مثل: "مين قال" و"فاتن أمل حربي". في حين ظلّ المنتج السوري يعيش حالة من الضياع، لأسباب وظروف كثيرة لا تتسع لها هذه السطور، فجاءت بعض المحاولات السورية ضعيفة مثل "جوقة عزيزة" لخلدون قتلان. ورغم محاولة المخرجة السورية رشا شربتجي ضبط الصورة في الجزء الثاني من "حارة القبة"، إلا أنّ المسلسل لم يحقق المبتغى المطلوب منه، وظل أسيرًا في كليشيهات البيئة الشامية.
دون شك، استطاعت الدراما المصرية أن تبتعد عما هو سائد في العالم العربي. وحتّى في الإنتاجات المصرية التي أدخلت شركاء من العالم العربي، لم تبق مُحاصرة في الدراما القائمة على قصة حب رومانسية مستهلكة، بل حاولت جمع كلّ عناصر النجاح. مسلسل "من شارع الهرم إلى" مثلاً، من كتابة هبة مشاري حمادة وإخراج المثنى الصبح وبطولة هدى حسين، استطاع تجاوز حدود الدراما المشتركة كما تعودنا عليها، وأثبت العمل أنّ جودة الرواية والنص هي المحرك الأساسي لتفاعل الناس ومتابعة العمل بالتفصيل. وحظي كذلك مسلسل نيللي كريم "فاتن أمل حربي" بأعلى نسبة مشاهدة بحسب الإحصاءات، فيما تراجعت حظوظ يسرى في مسلسل "أحلام سعيدة" من إخراج عمرو عرفة.


اللافت كان نجاح المسلسلات التي اعتمدت على 15 حلقة فقط. ويبدو أن ذلك سيتحول إلى عُرف في السنوات المقبلة، خصوصًا في مواجهة عامل الوقت، وعدم تمكن بعض شركات الإنتاج من متابعة عمليات التصوير، كما حصل هذا الموسم في مسلسل "بطلوع الروح" لمحمد هشام عبيه وكاملة أبو ذكري، الذي دخل السباق في الخامس عشر من رمضان، وحصد تقدمًا جيداً لجهة المتابعة، مع محاولة المخرجة إتمام العمل بسرعة قياسية والتجهيز لعرضه.
وتقدم في القاهرة أيضاً مسلسل "مين قال" من إخراج نادين خان وقصة محمد الحناوي. المسلسل هو دراما خفيفة تحاكي واقع الشباب العربي وهروبه من سلطة الأبوة إلى عالم آخر يشبه تطلعات الشباب الجديدة. ولا بد من ذكر تفوق الكاتب محمد الحناوي في السيناريو المكتوب بعناية ودقة، ما أخرج المسلسل من رتابة النصوص المعلبة التي سمعناها في حكايات وسيناريوهات ثانية، والتي أضعفت معظم الأعمال وأخرجتها عن خط المنافسة. واعتبر "الكبير أوي" واحداً من أكثر الأعمال المصرية متابعة. العمل من كتابة مصطفى صقر وإخراج أحمد الجندي، وهو مؤلّف من ستة مواسم لاقت نجاحًا في الشارع المصري. ويبدو أن المنتج يدرك جيداً مدى أهمية وجماهيرية العمل، ويسير على هذا الخط لضمان المنافسة السنوية، وكسب المزيد من الترويج ونسبة المشاهدة.


في الدراما السورية، كان واضحاً تقدم مسلسل "مع وقف التنفيذ" إلى المراتب الأولى لجهة النجاح والقصة والسيناريو وحتى الإخراج. ورغم أجواء التصوير القاتمة في أحيان كثيرة، نجح الكاتبان علي وجيه ويامن حجلي والمخرج سيف سبيعي في صناعة قصة مشغولة بحنكة، وحبكة قصصية موازية لمرحلة ما بعد هدوء المدفع في دمشق و"حارة العطارين"، إلى جانب التفوق المذهل في أداء الممثلين. وعلى نفس الخط، نال مسلسل "كسر عضم" للسيناريست علي معين صالح نصيبًا من الشهرة والنجاح، بسبب عبور الكاتب إلى عالم التشبيح والفساد عن طريق أجهزة الأمن السورية. لكن من الواضح أن المخرجة رشا شربتجي أرادت من وراء ذلك تبييض صورة النظام وتصوير القيادات النافذة على أنها الفاسدة الوحيدة، ويسعى النظام إلى محاصرتها عن طريق الضابط "مروان" (خالد القيش) الذي لا يهادن ولا يساوم في القضاء على الفساد. وتراجع مسلسل "ظل" للمنتج مفيد الرفاعي، وهو من فكرة سيف رضا حامد، وسيناريو زهير رامي الملا، وإخراج محمود كامل، ولم يحقق أي تقدم.
وحاول المخرج اللبناني فيليب أسمر، التقدم باتجاه تصاعدي في الجزء الثاني من مسلسل "للموت" من نص نادين جابر. لكنه خرج عن الإطار بالشكل المفترض أن يتدارك وقائع وتفاصيل وحيثيات القصة من الجزء الأول. ورغم سيطرة "للموت" على المرتبة الأولى في موقع "تويتر" في لبنان، إلا أنه اعتبر من قبل المتابعين ضعيفاً جداً لجهة فقدانه مقومات الحوار والسياق الدرامي المفترض أن يتكامل مع أداء الممثلين، فخرج ضعيفا جداً.

المساهمون