حروب جوائز أوسكار: تاريخ هوليوود في خليط القصدير والنّحاس

16 مارس 2023
عانت هوليوود من فضائح جنسية وانتهاكات كثيرة (روبين بِك/ Getty)
+ الخط -

ينتظر محبّو السينما وصنّاعها حول العالم حفل توزيع جوائز أوسكار بشغف من عام إلى عام. ويعتبر كثيرون الجائزة "اعترافًا دوليًا بالتميز في الإنجاز السينمائي"، فهذا على الأقلّ ما تحبّ "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحرّكة" الأميركية، المانحة للجائزة، أن تروّجه عن جوائزها، لكن ما هي خلفيات منح هذه الجوائز، وما هي أبرز الفضائح التي مرّت بها دورات أوسكار حتى يومنا هذا؟ كتابان جديدان يكشفان أسرارًا جديدة عن سحر ولعنة التمثال الذي يظنّه الكثيرون ذهبًا، إلّا أن لمعانه لن يخفي أنّه مجرّد مادة تكوّنت من خليط القصدير والنّحاس، لتحمل في النهاية اسم البريتانيوم.
في الوقت الذي اهتزَّت فيه، خلال العقود القليلة الأخيرة، العديد من الكيانات الثقافية والفنّية حول العالم، على خلفيات فضائحية وجنائية وفساد مالي، كما حدث على سبيل المثال للأكاديمية السويدية المانحة لجوائز نوبل قبل عدّة سنوات، تكافح صناعة السينما العالمية هي الأخرى للحفاظ على مركزيتها في الثقافة الدولية، على الرغم من اللغط الذي يثار كل عام حول صراعات جوائزها الأشهر، أوسكار.
من هنا، تأتي أهمية كتاب الصحافي الأميركي في مجلة "ذا نيويوركر"، مايكل شولمان، "حروب أوسكار: تاريخ هوليوود بالذّهب والعرق والدّموع" (Oscar Wars: A History of Hollywood in Gold, Sweat, and Tears)، والصادر في فبراير/شباط الماضي، (صعد إلى قائمة أفضل المبيعات وفقًا لقائمة نيويورك تايمز خلال أسبوعين فقط من إصداره)، حيث يقدّم العديد من الحجج والبراهين على فساد كبير خلف الجائزة، حتى قبل بدايتها عام 1929.
وعلى الرغم من كلّ هذه الفضائح والأخطاء التي أتى على ذكرها في كتابه الهام، لا يعتبر شولمان أنّ من المفيد إلغاء الجائزة التي يتصارع عليها سنوياً عشرات السينمائيين حول العالم، ويقول في افتتاحيته للكتاب الذي جاء في 608 صفحات: "دعونا نواجه الأمر: جوائز أوسكار خاطئة على الدوام"، بل ويضيف: "إنّ جوائز أوسكار ساحة معركة كبيرة تتصادم فيها التيارات الثقافية والفكرية حول العالم".
أما الكتاب الثاني، فجاء تحت عنوان "الأكاديمية والجائزة" للأميركي بروس ديفيس، الذي شغل منصب المدير التنفيذي لأكاديمية "فنون وعلوم الصور المتحرّكة" لأكثر من عشرين عامًا، وفيه يرسم ديفيس صورة وافية لإنشاء وتأسيس الأكاديمية، خاصة وأنه اطلع على الأرشيف الكامل للجائزة منذ إنشائها عام 1929 بحكم منصبه، وفي حين يكتب ديفيس عن الأكاديمية من خلال نظرة أحد أبنائها المخلصين، نجد مايكل شولمان على العكس منه، يؤكّد في كتابه "حروب أوسكار" أن اللغط والأخطاء والتجاوزات التي جرت في توزيع جوائز الأكاديمية منذ إنشائها، أفقدت الجائزة الكثير من رونقها ومصداقيتها لدى المتابعين، وهو ما يبرّر وجود أقل من 10 ملايين شخص يتابعون البثّ التلفزيوني لجوائز أوسكار عام 2021، في انخفاض كبير عن السنوات السابقة.


يغوص كل فصل من فصول "حروب أوسكار" الأحد عشر عميقًا، في عام أو فئة أو صراع معين، يمثل نقطة تحوّل لجوائز أوسكار أو للصناعة السينمائية بشكل عام. كما يستعرض الكتاب أدوار عدد من كبار لاعبي هوليوود في القرن الماضي، بمن فيهم بيت ديفيس وستيفين سبيلبيرغ ولويس ماير، كما يغطّي المؤامرة البشعة التي حيكت ضد فيلم "المواطن كين" عام 1941، والتي أدت في النهاية إلى فوزه بجائزة واحدة (أفضل سيناريو) من أصل تسعة ترشيحات، لأن قطب الإعلام وقتها ويليام راندولف هيرست شن حملة عنيفة ضد الفيلم ومخرجه أورسون ويلز أخافت هوليوود، مدعيًا أن الفيلم يتناول قصته. وهكذا، قوضت الأكاديمية مسيرة ويلز المهنية في مهدها، وفقد الفرصة لتحقيق قفزة يستحقها عن جدارة وسط مجايليه.
وفيما يشير بروس ديفيس في مقدمته مدافعًا، إلى أن إنشاء "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة"، جاء بناءً على طلب من قطب السينما وقتها لويس ماير رئيس استوديو Metro-Goldwyn-Mayer "كخطوة دفاعية لدرء أكثر ما كان يخشاه: النقابات الجشعة والحكومات التي تمارس الرقابة"، يرى شولمان شيئًا آخر: "تم تأسيس الأكاديمية منذ البداية لتعزيز القبضة المالية لأباطرة السينما على رواتب كل من يعمل في المهنة، كنوع من البدائل للنقابات العمالية".
هذا الرأي دفع شولمان إلى تتبّع القوى الناشئة لنقابات: كتّاب وممثّلي الشاشة، كما توقف طويلًا أمام قوائم هوليوود السوداء، التي ضيقت الخناق على أي عامل بالحقل السينمائي الأميركي إن كان له أي اتجاهات شيوعية، وحملة #metoo التي كشفت الغطاء عن ممارسات منتج هوليوود الأشهر هارفي وينستين، وحملة #OscarsSoWhite، التي فضحت انحياز هوليوود الأعمى للممثلين البيض، وصولًا إلى صفعة ويل سميث التي كالها لمقدم الحفل الممثل كريس روك العام الماضي. كما يخصص شولمان الفصل الأخير من كتابه لـ "أسوأ جوائز أوسكار على الإطلاق".
كذلك يتوقف شولمان أمام فضيحة منح الجائزة عام 2017 عن طريق الخطأ إلى فيلم "لا لا لاند"، ثم بعد كثير من اللغط تعود الجائزة إلى فيلم "ضوء القمر"، إخراج باري جنينكز. كما يشير إلى تجاهل الأكاديمية استحقاق فيلم Brokeback Mountain في دورة 2006، لجائزة أفضل فيلم لصالح فيلم Crash الأضعف، كما تجاهلت الأكاديمية عام 1953 فيلم High Noon لكاتب السيناريو المدرج على القائمة السوداء كارل فورمان، لصالح فيلم The Greatest Show on Earth، والذي يعتبره شولمان: "من أردأ الأفلام الفائزة في تاريخ أوسكار قاطبة".

يتفق كلا المؤلفين على أن هوليوود كانت دائمًا محاصرة بالفضائح والصراعات والضرب تحت الحزام، إلا أنهما رغم ذلك يشيران بقوة إلى أن صناعة السينما تواجه تحديات جديدة مع ظهور التكنولوجيا الحديثة والعصر الرقمي. الأمر الذي دفع مايكل شولمان في إحدى فقرات كتابه البحثي الهام إلى القول: "لقد أصبحت الصور صغيرة جدًا، ومتاحة للجميع، لأن لدينا جميعًا كاميرات وفلاتر جميلة في جيوبنا الخلفية"

المساهمون