حرب روسيا ضد الإعلام: سرديتنا أو الإسكات

03 مارس 2022
صحافيون روس قلقون على حياتهم وحرياتهم (ميخائيل سفيلتوف/Getty)
+ الخط -

فيما تحتجّ روسيا على التعامل الغربي مع وسائل إعلام حكومية مقرّبة من الكرملين، مثل "آر تي" و"سبوتنيك"، تقوم السلطات بحملة قمع ضدّ الإعلام المستقلّ أو المعارض داخل البلاد. ومع أنّ هذه الحملة ليست بجديدة، إذ إنّ موسكو فرضت قوانين تصنّف وسائل الإعلام كـ"عملاء أجانب" سابقاً، إلا أنّها اليوم تشكّل خطورة أكبر، إذ تهدد وجود هذه الوسائل كلياً، وهو ما حدث بالفعل مع إذاعة، ويتوقّع أن يطاول وسائل إعلام أخرى خلال الأيام المقبلة، خصوصاً مع إقرار "الدوما" قانوناً يجرّم ما تعتبره السلطات "أخباراً كاذبة" عن الاجتياح الروسي لأوكرانيا.

بدأت القضية تستفحل قبل يومين، عندما أغلقت روسيا الإذاعة التاريخية "صدى موسكو" والقناة التلفزيونية عبر الإنترنت "دوجد"، في صفعة أخرى لوسائل الإعلام المستقلّة. وفي "الجبهة الثانية" لموسكو في غزوها لأوكرانيا، أمرت السلطات، الثلاثاء، إذاعة "إيخو موسكفا" وقناة "دوجد" بوقف البثّ، بعد اتهامهما بجملة مخالفات، أبرزها ترويج "دعوات لارتكاب أفعال متطرفة وعنيفة". وجاءت الاتهامات بعد رفض الوسيليتن الالتزام بالخطاب الرسمي حول الحرب في أوكرانيا بوصفها "عملية عسكرية تهدف إلى حماية روسيا من التهديدات الغربية والناطقين باللغة الروسية من الإبادة".

ليست هاتان الوسيلتان المستهدفتان الوحيدتان، فقد حظرت موسكو منذ بدء غزو أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير الماضي ست وسائل إعلام روسية على الأقل. ومساء الأربعاء، تم حظر موقع "ذي فيلدج" الإخباري باللغة الروسية من جانب الهيئة الناظمة لوسائل الإعلام.

قرارات الحظر كانت لها ترددات خطيرة على الإعلام المستقل. فغداة حظر قناة "دوجد"، أعلن رئيس تحريرها تيخون دزيادكو عبر تطبيق "تيليغرام" عن فراره من روسيا مع عائلته، على غرار عدد من زملائه، قائلاً إنهم "في خطر". ويوم الخميس، أعلنت الإذاعة الروسية المستقلة "صدى موسكو"، العريقة في المشهد الإعلامي الروسي، عن حلّها بعد منعها من البث من قبل السلطات بسبب تغطيتها لغزو أوكرانيا. وكتب رئيس تحرير "صدى موسكو" أليكسي فينديكتوف، على حسابه على تيليغرام: "اتخذت غالبية أعضاء مجلس إدارة صدى موسكو قرارًا بحل إذاعتها وموقعها الإلكتروني". و"صدى موسكو" المملوكة للأغلبية لشركة الغاز العملاقة "غازبروم" تأسست في 1990 خلال التقلبات الكبيرة في الاتحاد السوفييتي، وقد فرضت نفسها كواحدة من أكثر وسائل الإعلام احتراما في البلاد، وكانت حتى هذا الأسبوع واحدة من الأماكن القليلة التي يمكن للمعارضين أن يعبروا فيها عن أنفسهم. وبحسب "فرانس برس"، لدى رئيس تحريرها فينيديكتوف علاقات مع الكرملين.

من جانبها، اتهمت الولايات المتحدة روسيا، الأربعاء، بشن "حرب شاملة على حرية الإعلام والحقيقة" من خلال حجب منافذ الإعلام المستقلة ومنع الروس من سماع أنباء غزو أوكرانيا. وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان نقلته "رويترز": "الحكومة الروسية تضيق أيضا على منصات تويتر وفيسبوك وإنستغرام التي يعتمد عليها عشرات الملايين من المواطنين الروس للوصول إلى معلومات وآراء مستقلة".

وتستعد موسكو بشكل موازٍ لتشديد قبضتها القمعية، إذ يقترح مشروع قانون وافقت عليه لجنة مجلس الدوما الخاصة بالقوانين والتشريعات، أمس الخميس، معاقبة كل من ينشر "أخباراً كاذبة" تتعلّق بالقوات المسلحة الروسية بالسجن لمدة 15 عاماً. ونقلت وكالة "تاس" عن النائب سيرغي بويارسكي أن مجلس الدوما سيدرس مشروع القانون خلال "جلسة استثنائية" يعقدها اليوم، الجمعة، وفق ما نقلت عنها "فرانس برس". وذكّر مكتب المدعي العام، السبت الماضي، بأن "تقديم مساعدة مالية، لوجستية، استشارية أو سواها" إلى منظمة أو دولة أجنبية من أجل "أنشطتها ضدّ أمن روسيا" يشكل "خيانة عظمى" يُعاقب عليها بالسجن لمدة عشرين عاماً.

ومع نصوص قانونية مشابهة، غير واضحة الصياغة، يصبح ممكناً توسيع نطاق تطبيقها المحتمل. ومنعت وسائل الإعلام الروسية، الأسبوع الماضي، من استخدام أي معلومات غير تلك التي تقدمها السلطات وتصور غزو أوكرانيا على أنه مجرد "عملية خاصة". وتعتبر منظمات غير حكومية روسيا من الدول التي تفرض أكبر قيود على حرية الصحافة، وهي تحتل المرتبة 150 من أصل 180 في أحدث مؤشر لحرية الصحافة لمنظمة "مراسلون بلا حدود".

هذه الإجراءات يُتوقّع أن تكون لها انعكاسات فوريّة على وسائل إعلام، مثل "نوفايا غازيتا" و"ميدوزا" وغيرها. ونقلت "فرانس برس" عن مديرة موقع "ميدوزا" الإخباري الإلكتروني، ومقره في لاتفيا، غالينا تيمتشينكو، قولها: "ثمّة قوانين كافية في روسيا لإدانة صحافي لأي سبب، وثمّة أدوات كافية للقضاء على وسيلة إعلامية"، وأضافت "الرقابة موجودة أساساً" بعدما تمّ منع وسائل الإعلام، السبت، من استخدام مصطلحات "غزو" و"هجوم" و"إعلان حرب" أو الحديث عن مقتل مدنيين بسبب الجيش الروسي، وأضافت "أشعر بأن هدف بوتين النهائي هو البقاء مع من يعملون لصالحه. وسيُجبر الباقون على الفرار أو سيتمّ القضاء عليهم". رغم ذلك، استقبل موقع "ميدوزا" قراءه، الأربعاء، بعنوان "حرب" بالخط العريض. وقال صحافي في الموقع، متحفظاً عن ذكر اسمه، لفرانس برس: "في أي حال، هيئة الرقابة الفدرالية الروسية في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ستحظرنا قريباً".

وتوقّع المدافع المعروف عن حقوق الإنسان ليف بونوماريف أن "يصار قريباً إلى حظر وسائل إعلام أخرى"، وفق حديثه لـ"فرانس برس". وتشكل "الحرب ضد الإعلام"، وفق تيمتشينكو، "جبهة ثانية" لروسيا، إلى جانب غزو أوكرانيا. وبحسب بونوماريف، "يخشى الكرملين من أن يخسر حرب الإعلام هذه".

من جانبها، قالت المسؤولة عن روسيا لدى منظمة "مراسلون بلا حدود" جان كافلييه إن "ممارسة لخنق" الإعلام قيد الإرساء. وتوقّعت كافلييه ألا تبقى أي وسيلة إعلام مستقلة بمنأى عن الحظر، بينها صحيفة "نوفايا غازيتا"، التي تلقى رئيس تحريرها دميتري موراتوف جائزة نوبل للسلام عام 2021، بالمناصفة مع الصحافية الفيليبينية ماريا ريسّا. وقالت كافلييه للوكالة الفرنسية: "سيتم حظرها بين يوم وآخر" على غرار مطبوعات أخرى محلية ترفض الانصياع للسلطات. ورأت كافلييه التي تتوقع حجب مواقع واعتقال صحافيين، أن الوضع "كما لو أننا نعود إلى الحقبة السوفييتية، مع فرق راهناً أن الإنترنت موجود ويشكل فضاء حراً".

وكانت الهيئة الفيدرالية للرقابة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات "روسكومنادزور" قد هددت الأسبوع الماضي مع بدء الحرب صحيفة "نوفايا غازيتا" المستقلة بحظر موقعها الإلكتروني، بسبب نشرها "المعلومات المغلوطة عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا". لكنّ  موراتوف رفض الخضوع للتهديد قائلاً لمجلة "نيو يوركر": "سنواصل العمل قدر الإمكان (...) ولن نتحول إلى أداة لبروباغندا". وفي المقابلة، لم يخفِ قلقه على سلامة صحافيي "نوفايا غازيتا"، سواء في منطقة الحرب، أو داخل روسيا لتغطية التظاهرات المنددة بالهجوم الروسي في موسكو.

وكان أكثر من 250 صحافياً وخبيراً في شؤون السياسة الخارجية قد وقعوا عريضةّ تندّد بغزو أوكرانيا، مؤكدين أن "الحرب لم تكن وسيلة لتسوية الخلافات، ولن تكون، ولا مبرر لها".

المساهمون