أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر حكمًا بحجب المواقع الشيعية بصفة عامة وموقع "ابن النفيس" الإخباري بصفة خاصة عن شبكة الإنترنت، في الطعن رقم 46266 لسنة 66 قضائية بتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، وذلك بعد ما رفضت الطعن المقدم من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
اللافت في الحكم أنه طالب الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بفرض المزيد من الرقابة على الإنترنت بحجة "رصد منابع الخطر"، بعدما طالب الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في طعنه بوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بإلزام الجهاز بالتدخل لإلزام الشركات المرخص لها بخدمة الإنترنت في مصر بحجب المواقع الشيعية بصفة عامة، وموقع "ابن النفيس" الإخباري بصفة خاصة، عن شبكة الإنترنت.
إذ قال الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات إن "اختصاصاته لا تشمل بأي شكل من الأشكال فرض الرقابة على محتوى المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كما أنه لا يختص بتسجيل هذه المواقع أو الإشراف عليها"، مشيرًا إلى أن" مسؤوليته تنحصر في توفير وسيلة الاتصالات للمستخدم النهائي، والتأكد من سلامة وصحة هذه الوسيلة وكفاءتها في نقل الاتصالات على اختلاف أنواعها، وأنه لم يرد نص واحد بقانون تنظيم الاتصالات أو القوانين الأخرى يسند للجهاز سلطة مراقبة أو تسجيل المواقع الإلكترونية".
وأكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أنه لم يرد نص واحد بقانون تنظيم الاتصالات أو القوانين الأخرى يسند للجهاز سلطة مراقبة أو تسجيل المواقع الإلكترونية، وهو ما ينطبق على خدمة الاتصالات الهاتفية والمحادثات التي تتم فيها، وأن قانون تنظيم الاتصالات خلا من تحديد حالات غلق وحجب المواقع الإلكترونية ومبرراتها والجهة الإدارية المختصة به، ولم يصدر تنظيم تشريعي حتى تاريخه، الأمر الذي يكون معه ما انتهى إليه الحكم المطعون عليه غير قائم على أي سند قانوني.
لكن المحكمة ردت على الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بأن "المواثيق الدولية والدستورية لا تمنع أجهزة الدولة المختصة من أن توصد منبع هذا الخطر بحجب هذا الموقع؛ درءا للفتن وحفظا للنظام العام والسلم الاجتماعي، ومن ثم فإن امتناع المجلس القومي لتنظيم الاتصالات بما له من سلطة على الشركات التي رخص لها بخدمات الإنترنت عن حجب المواقع الشيعية، وعلى الأخص موقع ابن النفيس الإخباري، يشكل قرارًا سلبيًا مشوبًا بعيب عدم المشروعية".
وتابعت المحكمة قائلة إنها تعي دورها "في حماية الحرية الفكرية وما يتبعها من حرية الرأي والتعبير"، مؤكدة في الوقت نفسه على دورها الفعال "في ترسيخ أركان الدولة، وحماية النظام العام وأجهزة الدولة المختلفة وتجنب إثارة الفتنة والفرقة بين الأمة الإسلامية، أو حتى إثارة العواطف الدينية، في عصر يوجب على الجميع التكاتف والتعاضد كالبنيان المرصوص".
وعلى الرغم من إصرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في طعنه على حكم حجب المواقع الشيعية، على أن "اختصاصاته لا تشمل بأي شكل من الأشكال فرض الرقابة على محتوى المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت"، إلا أنه مارس هذه المهمة على مدار نحو ست سنوات بالتوسع في حجب مئات المواقع الإخبارية في مصر، وتقنين حجب المواقع كسبب رئيسي في تقييد حرية الإعلام الرقمي.
وكان البرلمان المصري قد أصدر القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي تُعطي المادة السابعة منه سلطة حجب مواقع الوب لجهات التحقيق بعد أخذ موافقة من المحكمة، بالإضافة إلى إعطاء جهات التحري والضبط (جهاز الشرطة) سلطة إخطار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بحجب مؤقت للمواقع في حالة الاستعجال لوجود خطر حال أو ضرر وشيك الوقوع من ارتكاب جريمة، وتستخدم هذه المادة ألفاظا فضفاضة عديدة على أثرها يمكن حجب المواقع، مثل: الأمن القومي أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر.
وبحسب التقرير الموجز عن مؤشرات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الصادر عن وزارة الاتصالات، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في مصر 62.3 مليون مستخدم بنهاية سبتمبر/أيلول 2020.
وفرضت السلطات المصرية خطوطًا حمراء أمام مستخدمي الإنترنت حتى وصل إجمالي عدد المواقع المحجوبة إلى 555 موقعًا حتى العام الماضي، تضمنت 126 مواقعًا صحافيًا مستقلًا، في محاولة لفرض المراقبة الجماعية والسيطرة على ما يجب أن يصل للمواطنين.
فرضت السلطات المصرية خطوطًا حمراء أمام مستخدمي الإنترنت حتى وصل إجمالي عدد المواقع المحجوبة إلى 555 موقعًا حتى العام الماضي
وينص قانون تنظيم الاتصالات في المادة 67 منه، على إمكانية إخضاع شبكات الاتصالات لصالح السلطات المختصة في الدولة، وبالتالي إمكانية مطالبتها بحجب المواقع، دون أي قيد.
كما تعد المادة (49) من قانون مكافحة الإرهاب بمثابة أول سند قانوني واضح وموجه تجاه حجب المواقع، حيث جاء فيه: "وللنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة وقف المواقع المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 29 من هذا القانون أو حجبها أو حجب ما يتضمنه أي وجه من أوجه الاستخدام المنصوص عليها في هذه المادة والتحفظ على الأجهزة والمعدات المستخدمة في الجريمة".
ثم صدر قانون تنظيم الصحافة والإعلام، الذي نص في المادة (6) منه على إعطاء سلطة حجب المواقع للمجلس الأعلى للإعلام، حيث لم تقتصر سلطاته على المواقع الإلكترونية الصحافية والإخبارية، بل امتدت لتشمل حجب الحسابات الشخصية التي يزيد عدد متابعيها على 5000 متابع، بحسب المادة (19) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام، وهو ما جعل من المجلس الأعلى للإعلام جهة مسؤولة عن فرض رقابة جماعية على الإنترنت.
وساهمت هذه القبضة الأمنية المحكمة وترسانة القوانين المكبلة في تدهور حالة حرية الإعلام والإنترنت في مصر؛ إذ حصلت مصر على 26 نقطة فقط من إجمالي 100 نقطة، وفقًا لمؤشر فريدوم هاوس عن حرية الإنترنت 2020. ووصف المؤشر مصر بأنها دولة لا تملك "إنترنت حر|. ويبني التصنيف مؤشراته من خلال قياس الحريات المدنية بنسبة 60%، والحريات السياسية بنسبة 40%.
كما حافظت مصر على تدني مرتبتها المتأخرة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، حسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2021، حيث استقرت في المركز 166.
وبين النطاقات الخمسة لمكانة مصر في المؤشر، تستمر مصر في المساحة السوداء، حيث حالة الإعلام تنتقل من سيئ إلى أسوأ وعلى مدار سنوات.