حاتم علي... محاولة لتصحيح أخطاء "الزير سالم"؟

21 ديسمبر 2020
"الزير سالم" من بين أشهر الأعمال الدرامية السورية (كريس جاكسون/ Getty)
+ الخط -

يهم المخرج السوري حاتم علي بإعادة "الزير سالم" وملحمة حرب "البسوس" إلى الواجهة، من خلال فيلم سينمائي يجري التحضير له بنص مشترك بينه وبين الكاتب السوري زياد عدوان، وهو نجل الكاتب ممدوح عدوان الذي كتب مسلسل "الزير سالم" قبل عشرين عاماً، وتناول واحدة من أهم ملاحم العرب في العصر الجاهلي، والتي لا يزال يكتنف بعض تفاصيلها الغموض، بالإضافة إلى بعض المفاهيم المغلوطة حولها. 

غير أن عدوان الأب، وقع في بعض الأخطاء التاريخية، أو بالمعنى الأصح، مرت عليه بعض الهفوات التي ورثناها عن القصة نحن كعرب، عند كتابته لسيناريو القصة ومعالجتها، من دون تصحيحها أو التعمق في تحليلها واستخلاص النتيجة السليمة لتكون المادة التاريخية أمام المشاهد وثيقة تاريخية منقحة تصحح بعض المفاهيم عن الرواية التاريخية المنقولة. وذلك في عصر يسهل فيه التمحيص والاستدلال عبر البحث متعدد الوسائط، لتكون المادة مختلفة وصحيحة عما هو متوارث ومتداول. بالتالي يجب على عدوان الابن والمخرج حاتم علي، إعادة النظر في الرواية من مصادر وجوانب متعددة، وإدخال المعلومات الواردة فيها لمختبرات العقل وفحص المصادر ليتم تلافيها في الفيلم الذي من المتوقع أن يكون ضخماً، لا سيما مع إعلان حاتم علي أنه سيحاول استعادة أجواء المسلسل خلال الفيلم المزمع إنتاجه.

أول تلك المفاهيم التي تحتاج إلى معالجة، هي طبيعة الانتماء الديني للمجتمعات التي دارت عندها أحداث القصة. فالفكرة التي انطبعت في أذهان من شاهدوا المسلسل في تلك الفترة، لا سيما اليافعين وحتى الأطفال، عن الانتماء الديني لكل من تغلب وبكر على الأقل، تفيد بأنهما قبيلتان لم تتمكنا من الوصول إلى حقيقة الإيمان بدين محدد سماوي أو حتى وثني. سوى أنّ عبارة مرت على الهامش خلال أحد مشاهد المسلسل عندما توجه الزير سالم بنفسه إلى السماء مخاطباً "أرباب السموات"، تدل، إذا كان الكاتب عدوان يقصد أبعاد تلك العبارة، على أن كلا من بكر وتغلب أو تغلب على الأقل، تؤمنان بأرباب متعددين غير ماديين موجودين في السماء أو الفراغ. كما كان الحال لدى مجتمعات قديمة كالإغريق وبعض المجتمعات في أوروبا القديمة، إذ كانوا يؤمنون بآلهة وأرباب متعددي المهام، للنار والخصوبة والحب وغيرها.

بيد أن التاريخ يتحدث عن بكر وتغلب بأنهما من أوائل القبائل في شبه الجزيرة الذين آمنوا بالمسيحية، بل وكانت لهم كنائس ودور عبادة هناك، حتى أن المسيحية انتقلت مع تغلب عند هجرتها بعد الهزيمة في الحرب إلى الجزيرة الفراتية قبل دخولهم في الإسلام بعد الفتوحات الإسلامية للشام ومحيطها. كما أن الجزيرة كانت تعرف العديد من الديانات السماوية وغيرها التي لم يشر إليها المسلسل، إذ كانت تنتشر إلى جانب المسيحية الديانة الإبراهيمية الحنفية التوحيدية، واليهودية كذلك، بالإضافة إلى الوثنية. وتلك الأخيرة لا ينفي أتباعها وجود الله ومعرفتهم به، بل كانوا يعبدون الأصنام ليقربوهم من الله زلفى. وعلى ذلك، فإن تفصيلاً مهماً من تفاصيل تناول التاريخ والأحداث التاريخية تم تجاهله أو تغليطه حتى ضمن سياق الرواية التي تناولها المسلسل قبل عشرين عاما. المفهوم الثاني الواجب تصحيحه هو التهويل في همجية الحرب وعنفها، فالتاريخ يذكر ما بين خمسة إلى ثمانية نزالات فقط شهدتها الحرب دارت على مدى أعوام طويلة. من المصادر ما يذكر أنها طالت لبضعة وعشرين عاماً، ومنها ما يقول إنها استمرت لأربعين عاما. فالمسلسل صور الحرب على أنها دموية كانت تحصد كل وقعة من وقعاتها أو نزال من نزالاتها مئات أرواح الرجال، وأن هذه النزالات كانت تتكرر بشكل دائم، وهذا خطأ تاريخي كبير.

فقتلى الحرب لم يكونوا بذلك الحجم الذي صوره المسلسل أو السيرة التي تناولت تلك الملحمة. ورغم أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد القتلى بين الطرفين المتقاتلين، إلا أن كثيرًا من الروايات تحدثت عن ما يقارب الـ 70 قتيلاً من الطرفين في كل وقعات الحرب، في حين أن أكثر الروايات مبالغة في الأعداد وصلت إلى 700 قتيل من الطرفين. 

وكان هناك ما يمكن وصفه بالنزالات الفردية، التي كانت تحدث كلما التقى شخصان صدفة من الفريقين المتحاربين، لكن تلك المنازلات لا يمكن تسميتها وقعات أو مزاحمات كبيرة. المفهوم الرئيس والأهم، وهو موضوع الحرب وسببها. وانساق كاتب المسلسل وراء الرواية المتوارثة والأكثر نقلاً، عن أن الحرب نشبت من أجل ناقة أو امرأة (البسوس بنت المنقذ) التي سميت الحرب باسمها. كما صُوِّر مبتدئها جساس بن مرة على أنه رجل غدار وخبيث وناكث في عهد ابن عمه الملك وائل (كليب)، رغم ذكر الأسباب التي أدت بجساس إلى قتل كليب في نصف المسلسل. فجساس لم يفعل فعلته إلا بعد أن تجبر كليب على قومه وأبناء عمومته، منتشياً بانتصاره في واقعة جبل حزاز عندما هزم بمساعدة أبناء عمومته وقبائل أخرى من شبه الجزيرة، القبائل اليمنية القادمة من الجنوب، فنصب نفسه ملكاً بمباركة أبناء عمومته والقبائل القريبة منه ومنهم، غير أنه أخذ يتجبر عليهم، فمنعهم ومنع إبلهم ومواشيهم عن الماء القريبة منهم، والمواشي كانت أهم مصادر الغذاء والرزق عند العرب في شبه الجزيرة، حتى وصل به الأمر لمنعهم من الصيد في حماه الذي حدده إلى حيث يصل نباح الكلب.

سينما ودراما
التحديثات الحية

كما أن الرواية الأكثر دقة على واقعة قتل جساس لكليب عند "ماء الذنائب"، تشير إلى أن جساس لم يطعن كليباً من ظهره، بل واجهه ووجه له طعنة بالرمح اخترقت جسده بين الكتف والصدر. ولا يعد هذا التوضيح تبريراً للطريقة التي عالج بها جساس الظلم الذي وقع على أهله بالقتل. لكن الواجب توضيحه أن عدوان الأب ألحق الظلم بواحد من أهم شخصيات الرواية (جساس). بل إنه لم يستفد من مدلولات الاستنتاج التاريخي لإعطاء مفاهيم جديدة تتعلق بنبذ الظلم ومجابهة الديكتاتورية بهدف إسقاطها على الواقع وتوعية الشعوب التي تابعت المسلسل، الذي يعد من الأكثر متابعة في تاريخ الدراما العربية. ولا شك في أن جساس كان ثائراً، منتفضاً على سياسة السير مع القطيع بأمر واحد، بل واحداً من المؤسسين لمفهوم رفض التجبر والظلم عند العرب، ليس كما صوره المسلسل.

دلالات
المساهمون