لا تزال الأحزاب العراقية، الدينية منها على وجه الخصوص ومعها الفصائل المسلحة، تعتمد على ما يعرف بالجيوش الإلكترونية والصفحات الوهمية والقنوات على مواقع التواصل الاجتماعي، لبث الأخبار المضللة وخطاب الكراهية والتحريض الطائفي، الذي وصل أخيراً حد استهداف مدن مختلفة، فضلاً عن تهديد الناشطين وأصحاب الرأي والصحافيين. وبات واضحاً أن عدد الصفحات الوهمية يزداد مع كل أزمة، إذ وجد هذا الخطاب في منصات تويتر، وفيسبوك، وتيليغرام، مساحة واسعة للانتشار.
ورغم أن متابعة ما يصدر عن الحسابات الوهمية والجيوش الإلكترونية، يقع على عاتق جهاز الأمن الوطني الذي يعمل بالتنسيق مع هيئة الإعلام والاتصالات، إلا أن الجهاز لا يقترب من الصفحات الحزبية وتلك المعروفة بارتباطها بالمليشيات المسلحة. بينما من جهة أخرى، تشهد البلاد اعتقالات بالعشرات للناشطين الذين ينتقدون الأوضاع الاجتماعية السياسية والأمنية في مدنهم ومناطق وجودهم. وآخر هؤلاء مقدم البرامج صالح الحمداني الذي اتهمته مجموعات إعلامية تابعة للحشد الشعبي، بأنه انتمى لتنظيم داعش.
ولا يقتصر عمل الجيوش الإلكترونية، على تشويه سمعة الصحافيين والناشطين، النساء منهم بشكل خاص، بل يساهم أيضاً في إفشال بعض المبادرات السياسية لحل الأزمات الأخيرة، وهو ما يعترف به رئيس ائتلاف "النصر" حيدر العبادي. إذ عبّر الائتلاف في بيان أن "المبادرات الجادة والمتوازنة التي طرحها العبادي أزعجت البعض ممن يعتاش على الأزمات، ولهذا نواجه هجوماً عنيفاً وغير أخلاقي تشنه الجيوش الإلكترونية لأعداء الحلول وصنّاع الأزمات يستهدف العبادي ومبادراته"، مؤكداً أننا "نعرف دوافع الهجوم ومَن يقف خلفه".
في السياق نفسه، يقول عضو البرلمان المستقل باسم خشان، إن "الجميع مستهدف من قبل الجيوش الإلكترونية المملوكة للأحزاب، وبعض الجهات الخارجية التي تدعم خطابات الكراهية وتخريب الألفة داخل المجتمع العراقي، وأنا شخصياً أتعرض باستمرار إلى هجمات إعلامية تقودها صفحات وهمية تنشر الأكاذيب عني". ويبيّن لـ"العربي الجديد"، أن "كل الأحزاب تمتلك جيوشاً إلكترونية، ولا يوجد حزب عراقي لا يملك هذه الأداة التي يسعى إلى إسقاط خصومه من خلالها، بالتالي الأمر ليس حكراً على الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة، بل حتى بقية الكيانات السنية والكردية".
من جهته، يؤكد الصحافي أمير المهنا، أن "السبب الذي دفع الأحزاب وفصائل الحشد الشعبي إلى تأسيس قنوات على تيليغرام مثل (صابرين نيوز) و(أبو مزيعل) هو التهديد والتنكيل بالناشطين المدنيين، إضافة إلى الترويج لشخصيات سياسية متهمة بالفساد وبعضها مطلوبة للقضاء، ناهيك عن الترويج لأعمال إرهابية مثل استهداف القواعد العسكرية العراقية التي تحتوي على مستشارين من التحالف الدولي، بالتالي فإن كل محتوى هذه المنصات الممولة من الأحزاب، تدعو إلى إغلاقها عبر القانون ومحاسبة القائمين عليها".
ويلفت المهنا، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "معظم الجيوش الإلكترونية والمنصات الوهمية التي تشعل فتيل الأزمات والنعرات الطائفية، تدار من مقرات الأحزاب نفسها، وبعضها الآخر من غرف في مقرات بعض المحطات الفضائية"، معتبراً أن "العاملين فيها هم منتسبون وموظفون في الدولة العراقية، وقد حصل غالبيتهم على تفريغ من وظائفهم الأصلية من خلال تأثيرات حزبية والعمل في المجال الصحافي الخاص بالمليشيات الولائية والأحزاب السياسية".
وبحسب ما أكدت مصادر من مديرية إعلام الحشد الشعبي، في وقتٍ سابق لـ"العربي الجديد"، فإن "بعض الفصائل الموالية لإيران استعانت خلال السنوات الماضية بخبراء لبنانيين بمجال التصميم والغرافيك وإنشاء المحتوى، وقد باشرت فصائل أخرى رحلتها الإعلامية عبر مواقع التواصل بعدما أرسلت شباناً إلى إيران للتدرب على صناعة المحتويات التي تسمى فيما بينهم بـ(جيوش المقاومة الإلكترونية)، وبالعادة تحمل صفة مدنية أو معارضة للحكومة من أجل الحصول على تأييد شعبي ومتابعين بأعداد كبيرة".
من جانبه، يبيَّن الناشط البارز في محافظة ذي قار سيف الناصري، أنه "تعرض إلى حملات إعلامية ممنهجة لترويعه وأهله، إضافة إلى تصفيته، مما اضطره إلى ترك المدينة التي يسكن فيها واللجوء إلى مدينة السليمانية في إقليم كردستان، ثم العودة إلى ذي قار بعدما هدأت موجة التهديدات"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أنه "كان قد انتقد زعيم (حركة عصائب أهل الحق) قيس الخزعلي عبر فيسبوك، ثم هاجمته عشرات الصفحات الوهمية، فضلاً عن تناقل صور له ولعائلاته، بل وكتبت بعض الصفحات العنوان الكامل لمنزله، في طريقة لتهويله ودفعه إلى مغادرة المحافظة".
وشاعت "الجيوش الإلكترونية" في العراق منذ عام 2010، حيث ابتدعتها أحزاب وفصائل عراقية من أجل السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل "فيسبوك" هو الأبرز، كونه الأكثر استخداماً في العراق. وكان عملها في تلك الفترة يرتكز على تلميع صور السياسيين الذين يمولون الصفحات بعد توظيف عشرات الشبان كمسؤولين عليها، إضافةً إلى دعم تصفية الخصوم السياسيين معنوياً.