استمع إلى الملخص
- المسابقة تثير جدلاً حول تأثير الذكاء الاصطناعي على تصورات الجمال، معتبرةً أن الصور المولدة تعكس خصائص جمالية مثالية وغير واقعية، مما يعمق مشكلة تسليع المرأة.
- تطرح تساؤلات حول القيم الفنية والأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تمثيل الجمال، مشيرةً إلى التأثيرات السلبية المحتملة على الصحة النفسية والجسدية للأفراد نتيجة تعزيز معايير جمالية غير واقعية.
أعلنت كنزة ليلي وصولها إلى العشرة الأوائل في مسابقة Miss AI، أي مسابقة الجمال للفتيات المُصمَّمات عبر الذكاء الاصطناعي. كنزة ليلي التي قال صنّاعها إنها مغربية، وصفتها لجنة التحكيم بأنها "ليست فقط تجسيداً للجمال، بل هي أيضاً رسالة قوية لتمكين المرأة وتعزيز السلام والمساواة". لدى كنزة أيضاً أخت باسم زينة وأخ باسم مهدي، وكلها شخصيات مطورة بالذكاء الاصطناعي. لكن كنزة المرشحة الوحيدة للمسابقة التي أطلقتها The Fanvue World AI Creator Awards، مقابل جائزة مقدارها 20 ألف دولار يتشاركها الفائزون.
أول ما يخطر على البال عند الاطّلاع على الأمر، النكتة المتداولة، تلك التي مفادها أن الإنترنت مع الذكاء الاصطناعي سيتحول إلى رجال يولّدون صور نساء لإرسالها إلى رجال آخرين ومشاركتها. ووجود مسابقة ملكة جمال ليس إلا ترسيخاً لهذه الذكورية المفرطة التي تراهن على الجمال، ليس بوصفه وليد الصور النمطية والمتخيلات الذكوريّة وحسب، بل وليد الذكاء الاصطناعي، ذي الصور الناصعة الوهمية، تلك التي تحوي خصائص جمالية للجسد لا يمكن وجودها في الواقع.
بعيداً عن الخطاب الوطني لكنزة وفخرها بتمثيل المغرب ورأي لجنة التحكيم في "تمكين المرأة"، هذا النوع من المنتجات، على رغم كل تاريخ الصراع النسوي، ما زال يرى في الجمال سلعة وخاصية تستحق المكافأة، بل ضمن مسابقة، لا وجود فيها إلا للصور. صور ليست وليدة مهارة شخصية، بل فريق مبرمجين، يسعون لإنشاء معطى جمالي فائق الواقعية، يمعن أكثر في تسليع المرأة وأسرها ضمن الشاشات التي تفرض عليها معيار الجمال.
لا نطرح السؤال هنا عن القيمة الفنيّة للصور ومدى واقعيتها ومهارة إنتاجها، بل عن موضوعها نفسه، أي محاولة إنشاء فتاة جميلة تمثل "شعباً" بأكمله. ولا يقتصر الأمر على المغرب، فالمتسابقات من الهند وفرنسا وتركيا، يقعن في ذات الفخ، ليحكم عليهنّ شخصان حقيقيان وشخصيتان أيضاً مولدتان بالذكاء الاصطناعي، مع الأخذ بالاعتبار عدد المتابعين على "إنستغرام".
في هذه المسابقة، نحن أمام تسليع فائق، وخصائص جمالية مستحيلة، خصوصاً أن كثيراً من شخصيات الذكاء الاصطناعي بلغت من الواقعية صعوبة تفريقها عن الحقيقية، ضمن ما يسمى The Uncanny effect، أي الارتباك الذي يصيب الدماغ حين يشاهد أمراً يشابه الواقع بشدة من دون أن يكون واقعياً. وهنا المفارقة؛ فهذه الصور لنساء، وفي كل مرة يحدث فيها تطور تكنولوجي يكنّ ضحية التسليع والاختبارات. وهذا ما نلاحظه في المسابقة نفسها، التي تتبنى شكل مسابقات الجمال التقليدية، ولا تقصر على "أجمل الشخصيات" المولدة عبر الذكاء الاصطناعي، بل النساء أنفسهن، وكأن السمعة السيئة المرتبطة بهذه المسابقات يجري تجاهلها أمام صورة امرأة جميلة.
لكن، ماذا يعني أن تفوز أي واحدة من هذه الصور/ الشخصيات بالمرتبة الأولى؟ بعيداً عن الجائزة المادية، يعني الأمر ترسيخاً لمعايير اصطناعية للجمال. وهذه ليست المرة الأولى، إذ أصبح هناك عمليات تجميل مقتبسة من فلاتر وسائل التواصل الاجتماعي، كأنف "إنستغرام" وشفاه "تيك توك"، ليتحوّل الفلتر إلى عمل جراحي في اللحم، وذلك لتسهيل عملية التصوير والنشر على وسائل التواصل الاجتماعي. بصورة ما، نحن أمام تتويج للاصطناعي وأثره المريع على النساء.
يقول بعضهم إن هذه مجرد صور اصطناعية، ولن يُصدّق أحد أنها واقعية. لكن ما تفسير وجود قوانين في بعض البلدان الأوروبية تفرض على صور الإعلانات الخاضعة للتعديل إعلان ذلك بخط واضح وصريح في كل صورة؟ ألا يعني ذلك أن هذه الصورة المعدلة تلعب دوراً حقيقياً في رسم معيار الجمال والصورة عن الذات؟