عاد الجدل في الإعلام التونسي حول ملفات مالية تتعلق بمساعدات حكومية للقنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية الخاصة، بالإضافة إلى برنامج أوروبي حول دعم قطاع الإعلام في تونس بدأ سنة 2017 وانتهى سنة 2020. انطلق الجدل حول ملف المساعدات المالية عندما قررت الحكومة الحالية برئاسة هشام المشيشي صرف مساعدات للقنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية الخاصة لتجاوز تبعات جائحة كورونا التي أثرت على الموازنات المالية لهذه المؤسسات. ومنحت الحكومة القنوات التلفزيونية الخاصة 306 آلاف دينار تونسي، أي ما يعادل 110 آلاف دولار أميركي، في حين منحت المحطات الإذاعية 128 ألف دينار تونسي، أي ما يعادل 46 ألف دولار أميركي. واستثنت من هذه المساعدات بعض القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية الخاصة التي لم تسوِّ وضعيتها القانونية، كما المؤسسات الإعلامية الرسمية التي تتلقى بطبعها تمويلاً من الحكومة التونسية.
"الهيئة العليا المستقلة للاتصال" (الهايكا) اعتبرت أنّ المساعدات غير عادلة وغابت عنها الشفافية، مستغربةً استبعاد الإذاعات الجمعياتية من هذه المساعدات، خصوصاً أنّ هذه الإذاعات ليس لها طابع تجاري ولا تملك مداخيل من الإعلانات التجارية. كما اعتبرها البعض الآخر انتقائية لأنها استثنت بعض القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية بحجّة أنها غير قانونية ولم تحصل على إجازة البث، متجاهلةً أن هذه المؤسسات تشغّل صحافيين وتقنيين تونسيين وعرفت هي الأخرى تراجعاً في مداخيلها المالية، مما قد يهدد العاملين فيها. هذا الأمر دفع المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة التونسية مفدي المسدي إلى الرد على ذلك بتدوينة عبّر فيها عن استغرابه رد فعل "الهايكا"، حيث اعتبره ردًا غير مناسب على قاعدة أنّ ما قامت به الحكومة الحالية هو تنفيذ لقرارات حكومة الياس الفخفاخ السابقة التي أقرت هذه المساعدات وقامت الحكومة الحالية بتنفيذها في إطار استمرارية أعمال الدولة.
وأقرت حكومة الياس الفخفاخ المساعدات في شهر إبريل/ نيسان 2020، عندما قررت منح 5 ملايين دينار تونسي لمساعدة المؤسسات الإعلامية التونسية السمعية والبصرية والمكتوبة والإلكترونية لمجابهة تداعيات أزمة كورونا، لكنها لم تُفعَّل إلا في حكومة هشام المشيشي الحالية.
من ناحية أخرى، أثار الإعلامي ماهر عبد الرحمن في برنامج تلفزيوني يبثّ على التلفزيون الرسمي التونسي مسألة التمويلات الأوروبية لمشروع دعم القطاع الإعلامي في تونس، والمقدَّرة بـ 10 ملايين يورو (حوالي 33 مليون دينار تونسي) تمّ رصدها لمدة ثلاث سنوات لمساعدة الإعلام على تطوير قدراته في مختلف المجالات. لكن المشروع رغم ما خصصت له من أموال، لم يحقق نتائج تذكر مما جعل الكثير من الإعلاميين يتساءلون حول طرق صرف هذه الأموال والأطراف التي استفادت منها والدعوة إلى القيام بعملية تدقيق مالي في هذا المشروع. وهو الأمر الذي ردّ عليه "المركز الأفريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين"، وهي المؤسسة الرسمية التي تولت الإشراف على المشروع إلى جانب الطرف الأوروبي، معتبراً أنّ "ما ورد على لسان البعض حول المشروع يستدعي توضيحات من بينها أن المبلغ المرصود لهذا المشروع لم يتم ضخه مباشرةً وبصفة فعلية في ميزانية الدولة التونسية وإنما تم تمكين الجهات المنتفعة (قطاع الإعلام العمومي أساساً وفق الاتفاق المبرم في إطار الاتفاقية) من تجهيزات سمعية بصرية وإحاطة فنية وتدريب وخبرات تضاهي قيمتها المبلغ المرصود للمشروع، وأن مجمل التقارير التي رفعها المدققون الماليون (تونسيون وأوروبيون) لرئاسة الحكومة التونسية ولبعثة الاتحاد الأوروبي بتونس تم اعتمادها، وأثبتت جميعها سلامة التماشي المتبع في تنفيذ المشروع إداريا وماليا وفنيا، طبقا لما تنص عليه الاتفاقية". وأضاف المركز أنّ "الحديث عن اقتسام كعكة هو طرح مجانب للصواب بما أن كل العمليات المالية كانت خاضعة للمتابعة والإشراف المباشرمن طرف بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس".
الإعلام التونسي يعيش حالةً من المخاض قد تؤدي إلى مزيد من توتير العلاقة بين الهياكل المتدخلة فيه وهي النقابات الإعلامية والهايكا ورئاسة الحكومة التونسية، خصوصاً أنّ ملفات التعيينات في وسائل الإعلام الرسمية وتحديداً الإذاعة والتلفزيون الرسميين لا تزال عالقة وقد تؤدي إلى مزيد من التشنج في العلاقة، نظراً لتباعد وجهات النظر بين الحكومة والطرف النقابي والهايكا حول التصور المستقبلي لإدارة هذه المؤسسات.