بعد ساعتين فقط من إطلاق منصة ثريدز (خيوط بالعربية)، مساء الأربعاء، أعلن مارك زوكربيرغ عن تحميل ابتكاره الأحدث مليوني مرة. هذه كانت مجرد البداية. بعد ساعتين إضافيتين، كان 5 ملايين شخص قد حمّلوا ""ثريدز". حين حلّ موعد خلود زوكربيرغ إلى النوم، كان الرقم قد وصل إلى 10 ملايين. حين استيقظ صباح الخميس (بالتوقيت المحلي)، كان 30 مليون شخص قد حمّلوا "ثريدز"، وذلك في أقل من 24 ساعة.
هكذا في أقل من يوم واحد، أصبحت "ثريدز" التي تشكل التحدي الأكبر لـ"تويتر" المنصة الأسرع تحميلاً في التاريخ. تخطت بسهولة برنامج المحادثة الآلي "تشات جي بي تي" الذي كان قد حُمّل مليون مرة في الأيام الخمسة الأولى لإطلاقه، وفقاً للشركة المطورة له "أوبن إيه آي". وعلى هذا المنوال، سيتخطى عدد مستخدمي "ثريدز" المائة مليون في غضون شهرين، وهو إنجاز لم يسبقها إليه إلا "تشات جي بي تي"، وفقاً لشركة التحليلات لايكوِب.
وباتت "ثريدز" تضم حسابات ناشطة لمشاهير مثل شاكيرا وجنيفر لوبيز وهيو جاكمان وإيلين ديجينيريس وأوبرا وينفري وبيل غيتس، إضافة إلى وسائل إعلام مثل "واشنطن بوست" و"رويترز" و"ذي إيكونوميست"، ومنصات مثل "هوليوود ريبورتر" و"فايس" و"نتفليكس".
المنصة الأسرع تحميلاً في التاريخ بـ30 مليون مستخدم في أقل من يوم
وكتب زوكربيرغ في منشوره الأول على التطبيق الجديد: "لنبدأ الآن. أهلاً بكم في ثريدز"، وحاز في دقائق معدودة آلاف علامات الإعجاب. وأضاف، الخميس، بعيد الساعة 15:00 بتوقيت غرينتش: "يا للروعة. إنشاء 30 مليون حساب اعتباراً من هذا الصباح. يبدو أنه بداية لشيء مميز". وقبل ذلك كان قد رد عبر حسابه على عدد من المستخدمين، وأرسل للمرة الأولى في أكثر من عشر سنوات رسالة عبر "تويتر" تظهر شخصية "الرجل العنكبوت".
هذا التهافت على "ثريدز" عكس الرغبة في إيجاد بديل لـ"تويتر" التي كانت خلال السنوات الـ17 الماضية مساحة مركزية للمحادثات العامة عبر الإنترنت. فمنذ اشترى الملياردير الأميركي إيلون ماسك هذه المنصة، مقابل 44 مليار دولار، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أجرى تغييرات كثيرة، أثارت غضب المستخدمين، ولا سيما تحويل توثيق الحساب إلى خدمة مدفوعة أو صرف غالبية الموظفين في مجال ضبط المحتويات. وكان ماسك قد أعلن، السبت الماضي، فرض سقف لعدد الرسائل التي يمكن الاطلاع عليها يومياً في كل حساب، رسمياً بشكل مؤقت، وهو إجراء لم يلق استحسان المستخدمين والمعلنين والمطورين أيضاً. وأعلنت "تويتر"، الاثنين الماضي، أن خدمة "تويت ديك" لن تكون متاحة إلا للحسابات المثبتة والمدفوعة.
وقال جوناثان تابلين، وهو صاحب كتابين حول شركات التكنولوجيا العملاقة، إن "التوقيت جيد جداً لميتا"، مؤكداً أن "ثريدز" تشكل تهديداً وجودياً لـ"تويتر"، وفقاً لما نقلته "فرانس برس".
وبالفعل، فإن "تويتر" استشعرت سريعاً هذا التهديد، إذ هددت بمقاضاة "ميتا" بسبب منصتها الجديدة ثريدز، وذلك في خطاب أرسله محاميها أليكس سبيرو إلى زوكربيرغ. وأفاد موقع سيمافور الإخباري بأنّ سبيرو اتهم "ميتا" في رسالته بتعيين موظفين سابقين في الشركة "كانوا ولا يزالون يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى الأسرار التجارية وغيرها من المعلومات السرية للغاية لدى تويتر". وكتب سبيرو في الرسالة: "تعتزم تويتر تطبيق حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها بصرامة، وتطالب ميتا باتخاذ خطوات فورية للتوقف عن استخدام أي أسرار تجارية أو معلومات أخرى سرية للغاية لدى تويتر".
وردّ المتحدث باسم "ميتا" آندي ستون، في منشور على "ثريدز": "ما من أحد في فريق الهندسة الخاص بثريدز كان موظفاً سابقاً في تويتر". كما قال موظف كبير سابق في "تويتر"، لوكالة رويترز، إنه ليس على علم بتشغيل أي موظفين سابقين لدى "ثريدز".
في غضون ذلك، كتب إيلون ماسك، رداً على تغريدة نقلت الخبر: "لا بأس بالمنافسة، لكن الغش ليس مقبولاً". مؤسس "تويتر" جاك دورسي انتقد أيضاً إطلاق "ثريدز"، وغرّد الخميس: "أردنا سيارات طائرة، وبدلاً من ذلك حصلنا على 7 نسخ من تويتر".
مع أكثر من ملياري مستخدم نشط، توفر "إنستغرام" للخدمة الجديدة منصة انطلاق لم تكن متوافرة لمنافسي "تويتر" الآخرين
تمتلك "ميتا" كلاً من "إنستغرام" و"فيسبوك". وتشبه واجهة المستخدم الخاصة بـ"ثريدز" منصة التدوينات القصيرة تويتر. لكن "ثريدز" لا تدعم عمليات البحث باستخدام كلمات مفتاحية، ولا إرسال رسائل خاصة مباشرة. لا تخفي "ميتا" نيتها الاعتماد على منتجات أخرى لها ليسجل آخر تطبيقاتها نمواً سريعاً، مؤكدة منذ البداية أن "ثريدز" منبثقة من "إنستغرام". وأشارت أستاذة التسويق في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا بينار يلديريم إلى أن منصة إنستغرام "منتج من ميتا يحقق أكبر نجاح. ولم يكونوا قادرين على ربط هذا المنتج الجديد مع فيسبوك، لأن هذا الاسم لم يعد يدفع إلى الحلم". فمع أكثر من ملياري مستخدم نشط، توفر "إنستغرام" للخدمة الجديدة منصة انطلاق لم تكن متوافرة لمنافسي "تويتر" الآخرين مثل "بلوسكاي" أو "ماستودون"، مروراً بمواقع مفضلة لدى المحافظين جداً مثل "تروث سوشال" و"بارلر" و"غيتر" و"غاب". وتسمح "ثريدز" لمستخدمي "إنستغرام" بتأكيد الدخول من خلال كلمات السر التي يستخدمونها، لنشر محتويات على المنصة الجديدة.
وكتب المحلل براين فيسير: "المعادلة بسيطة؛ في حال أقدم مستخدم لإنستغرام له عدد كبير من المتابعين، مثل كيم كارداشيان وجاستن بيبر وليونيل ميسي، على نشر محتويات عبر ثريدز بانتظام، فإن هذه المنصة الجديدة قد تتطور بسرعة، وأظن أن الموازنات الإعلانية ستتبع في فترة قصيرة". وقد يزيد هذا الاحتمال من الضغط على "تويتر" التي تراجعت إيراداتها من الإعلانات منذ اشتراها ماسك.
وقال خبراء في قانون الملكية الفكرية إنّ "تويتر" بحاجة إلى تفاصيل أكثر بكثير مما هو موجود في الرسالة لرفع دعوى سرقة أسرار تجارية ضد "ميتا". وشرح أستاذ القانون في جامعة ستانفورد مارك ليملي، لـ"رويترز"، أن "مجرد تعيين موظفين سابقين في تويتر (سرحتهم الشركة بنفسها أو دفعتهم للمغادرة)، وحقيقة أن فيسبوك أنشأ موقعاً مشابهاً إلى حد ما، لن يدعما على الأرجح دعوى خاصة بالأسرار التجارية".
وهذا الزخم المبكر يمكن ألا يترجم نجاحاً على المدى الطويل. فلا تزال "تويتر" تحتل الصدارة، مع أكثر من 237 مليون مستخدم يومياً، وفقًا لأحدث الأرقام العامة التي استشهدت بها الشركة العام الماضي. وفي الوقت نفسه، تتواصل الضغوط على شركة ميتا من قبل المنظمين والمسؤولين حول العالم، وتحديداً بشأن سياسات الخصوصية الخاصة بها، بالإضافة إلى كيفية تصديها للأخبار الزائفة والتضليل عبر منصاتها.
كما قال كبير محللي الأسهم في شركة مورنينغستار ريسرتش سيرفسز علي مغربي لصحيفة وول ستريت جورنال: "لا يزال من السابق لأوانه التقدير (نجاح ثريدز)، لأننا لسنا متأكدين مما إذا كان المستخدمون سيبقون ويتفاعلون كثيراً، أم أنهم سيعودون أدراجهم إلى تويتر".
وفي السياق نفسه، لفت محلل تكنولوجيا المعلومات في إدارة الأصول هاردينغ لوفنر، التي تمتلك أسهماً في "ميتا"، إيغور تيشين، إلى أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستؤثر "ثريدز" في عائدات ميتا. لكنه أردف، متحدثاً لـ"وول ستريت جورنال": "بغض النظر، هذه ليست أخبار جيدة لتويتر". وقال بعض المحللين إن "ثريدز" قد تؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة عائدات "ميتا" ببضعة مليارات من الدولارات، لكن من غير المرجح أن تقدم مساهمة مادية على المدى القريب.
مخاوف تنظيمية سترجئ إطلاق منظمة ثريدز في دول الاتحاد الأوروبي
تجاوزت عائدات "ميتا" العام الماضي 116 مليار دولار. وكشفت "تويتر" أن عائداتها لعام 2021 بلغت 5 مليارات دولار، بينما أشار ماسك إلى انخفاض حاد في قيمتها، العام الماضي.
إلى ذلك، أوضح مصدر قريب من "ميتا"، لوكالة فرانس برس، أن مخاوف تنظيمية سترجئ إطلاق التطبيق في دول الاتحاد الأوروبي، حيث تخضع الشركة لقانون الأسواق الرقمية الجديد الذي يفرض قواعد مشددة على شركات الإنترنت الكبرى. وتقيّد إحدى هذه القواعد نقل البيانات الشخصية بين المنتجات المختلفة، كما سيكون الحال عليه بين "إنستغرام" و"ثريدز". وسبق ضبط زوكربيرغ من قبل الهيئات الناظمة الأوروبية وهو يقوم بذلك عندما اشترى "واتساب".