- ساندرز، المعروف برسوماته الكاريكاتيرية، اختار في هذا المعرض تقديم رسومات تخطيطية تسلط الضوء على الجوانب الإنسانية للفلسطينيين، مفضلاً الرسم على التصوير لتسجيل الأشخاص والأماكن بحساسية أكبر.
- المعرض يبرز جوانب متعددة من الحياة تحت الاحتلال، من اللحظات اليومية إلى المقاومة، مثل عمل "الجنود والممرضات"، محاولاً تحدي الصور النمطية السلبية للفلسطينيين في الإعلام الرئيسي.
أكثر من 30 عملاً فنياً، ضمها معرض "شظايا فلسطين" (Fragments of Palestine) الذي أقيم في لندن لرسام الكاريكاتير تِم ساندرز (Tim Sanders)، يكشف خلالها طبيعة الحياة الفلسطينية ويحتفي بصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
أُنتجت أغلب أعمال المعرض الذي أقيم في غاليري P21 بالعاصمة البريطانية، خلال زيارة ساندرز الضفة الغربية في شهر مايو/أيار الماضي، حين انضم إلى وفد من العاملين في مجال الصحة في المملكة المتحدة، كفنان رسمي مقيم.
صنع ساندرز مسيرته المهنية من خلال الرسومات السياسية الساخرة لصالح صحيفة ذي إندبندنت (مدة 14 عاماً)، لكن أعماله عن فلسطين لم تكن رسوماً كاريكاتيرية، بل رسومات تخطيطية تسجل "كل الأشياء التي يفعلها الجميع دائماً".
من خلال الرسومات وصور الحياة اليومية في الأراضي المحتلة، وثق الفنان البريطاني النضال الفلسطيني من أجل العيش في ظل احتلال وحشي يحاول الفلسطينيون تجاوز ممارساته القمعية، حتى يعيشوا حياةً طبيعية.
يعتقد ساندرز أن الرسم وسيلة أكثر حساسية ونبلاً في تسجيل الأشخاص والأماكن من التصوير الفوتوغرافي، الذي له تأثير مزعج في كثير من الأحيان، إذ سجل في ملاحظاته عن تلك الأعمال، أن الفلسطينيين طالما رحبوا برسوماته التي يلتقطها لهم وللأماكن من حولهم. يقول ساندرز إن الرسم، وفق أسلوبه، يتطلب تأملاً عميقاً وتفاعلاً وثيقاً مع البيئة المحيطة، ما يسمح له بالكشف عن الطبقات الثقافية والاجتماعية والسياسية للمكان.
في أحد الرسوم التوضيحية، بعنوان "مستوطن محب"، يصوّر الفنان البريطاني مستوطناً إسرائيلياً، كان يتجول بالقرب منه في القدس، وهو يرتدي ملابس عصرية: سترة وسروالاً وقبّعة، ويحمل بندقية نصف آلية، ومن خلال منظور ساندرز الفريد للمشهد، ينقل في عمله الفني "الغطرسة الاستعمارية" التي يظهرها المستوطنون؛ إذ نرى في الرسم، خلف الجندي، سيدة فلسطينية تقف مكانها، كما لو أنها تنتظر هذا المستوطن المُسلّح أن يمرّ ويختفي، كي تواصل هي طريقها بسلام، لأن هؤلاء المستوطنين ممكن أن يهاجموا أي فلسطيني في أي لحظة من دون أي سابق إنذار.
يتتبع المعرض، عموماً، روتين الحياة اليومية للإنسان الفلسطيني، مثل: تشارك مجموعة من الأصدقاء والأقارب لحظة ضحك عابرة، والذهاب إلى العمل أو التسوق أو اصطحاب الأطفال إلى المدرسة أو لمشاهدة مباراة لكرة القدم، كل ذلك في ظروف استثنائية يثابر الفلسطينيون على تخطيها.
وفي أحد الأعمال الفنية، تحت عنوان "الجنود والممرضات"، يصوّر ساندرز زيارته لمستشفى في الضفة الغربية أثناء ممارسة الممرضات لعملهن غير مكترثات بجنود جيش الاحتلال خلال اقتحامهم للمستشفى وهم مدججون بالأسلحة، وهو الفعل الذي فسّره رسام الكاريكاتير على أنه شكل من أشكال المقاومة. وهذا فعلاً ما نشهده الآن في قطاع غزة؛ إذ يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاته على المستشفيات، واقتحاهما واعتقال بعض العاملين فيها، لكن رغم ذلك، ما زالت المنظومة الصحية في القطاع، رغم كل ما تعانيه، تحاول البقاء والاستمرار في العمل.
يسعى ساندرز من خلال عمله إلى تحدي الصورة اللاإنسانية التي تقدمها وسائل الإعلام الرئيسية للحياة الفلسطينية في كثير من الأحيان، وذلك بالتركيز على أشخاص بعينهم ورصد معاناتهم ومدى قدرتهم على الصمود. يقول ساندرز: "أريد أن يرى الناسُ البشرَ في هذه الصور، حتى لا يُنظر إلى الفلسطينيين بصورة تجريدية، سواء كانوا ضحايا أم إرهابيين، أو أياً ما كان مما تقدمّه وسائل الإعلام. في رسوماتي، يبدون تماماً أشخاصاً عاديين يمارسون حياتهم اليومية".
تحتفل رسومات ساندرز، كذلك، بتصوير جماليات الحياة الفلسطينية البسيطة، من محل الفلافل في الخليل، إلى تلميذات المدارس وهن يتحادثن في محطة الحافلات، إلى الزهور التي تزين الشرفات في أحد الأحياء بالضفة.
قال ساندرز في ليلة افتتاح المعرض الذي اختُتم قبل أيام: "رغم الهمجية والرعب الذي يشهده المجتمع الفلسطيني، يمكنك أن تلمس شعوراً بالفخر بداخل أفراده تجاه مكان يعيشون فيه، علاوة على محبة كبيرة يكنونها له. إنه أمر مؤثر للغاية".
يفضل ساندرز الرسم بسرعة وفي موقع الحدث، ثم يضيف الألوان إلى رسوماته لاحقاً. تضفي هذه التقنية على عمله إحساساً بالديناميكية، لذلك يجسد تصويره، على سبيل المثال، للشباب الفلسطينيين في نابلس وهم يؤدون الدبكة، طاقة وحركة فناني الأداء.
في معرضه الجديد "شظايا فلسطين"، يقدم ساندرز رسومات سجلها خلال زياراته المتعددة إلى الضفة الغربية، والتي كان آخرها قبل أسابيع فقط من عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
يُنجز ساندرز رسوماً لكتيبات الجيب، ورسوماً كاريكاتيرية سياسية. وعلى مدار سنوات، كان رسام كاريكاتير في صحيفة العامل الاشتراكي. وعام 1995، نشر أول مجموعة من رسوماته تحت عنوان "في حرارة الخربشة"، ثم انتقل إلى العمل رسام كاريكاتير في عام 1990 في صحيفة ذي إندبندنت. إلى جانب عمله في هذه الأخيرة، وإندبندنت أون صنداي، وضع ساندرز رسوماً كاريكاتيرية وأخرى توضيحية لمجموعة من الصحف والمجلات الشهيرة، من بينها: ذا غارديان وديلي تليغراف وذا أوبزرفر وميل أون صنداي وبرودكاست وريد بيبر.