"تيك توك"... طريق الشهرة الأسرع للمغنين الصاعدين

17 ديسمبر 2022
الظاهرة لا تقتصر على العالم العربي (ماوريسيو سانتانا/ Getty)
+ الخط -

يوماً بعد يوم يزداد تأثير منصة تيك توك على صناعة الموسيقى في العالم، وتحول تطبيق الفيديوهات القصيرة الأشهر في العالم إلى طوق النجاة لعدد كبير من صناع الموسيقى والفنانين في الفترة الأخيرة، وبرز تأثيره الكبير في سوق الموسيقى عام 2022، بعد الدور الكبير الذي لعبته في صعود فنانين وتحقيق شهرة كبيرة، أو في الإيرادات التي تحققها صناعة الموسيقى من الخدمات التي يقدمها التطبيق من حفلات عبر شبكة الإنترنت أو ترويج أو توزيع للأغاني وغيرها من منافذ الربح الجديدة من خلاله.

تأثير "تيك توك" على صناعة الأغاني لم يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، والذي تدور حوله أغلب النقاشات حول العالم، بسبب تنامي دور المنصة في صناعة الترفيه، ومنافسته لعمالقة شركات القطاع ومنصات العرض والاستماع الإلكترونية، بداية من "يوتيوب" و"فيسبوك" إلى "سبوتيفاي" وغيرها، بل كان له تأثيرات فنية أيضاً على شكل الأغاني التي أصبحت تراعي متطلبات التطبيق التسويقية، مما أثر في المدة الزمنية للأغاني التي أصبحت أقصر.

تحولت الأغاني مع تصاعد أهمية "تيك توك" إلى مقاطع خاطفة وقصيرة جاهزة للاستخدام من رواد المنصة، بدلاً من الطريقة التقليدية القديمة المعتمدة على وحدة الألبوم وتكامله والتفاصيل الموسيقية المتعددة في الأغنية نفسها. وأصبح الاتجاه إلى صنع أغان بشكل أبسط تدعو للحركة والرقص والتفاعل، وكانت لهذه القواعد الجديدة في طريقة صنع الأغاني تأثير آخر على شكل الأغاني التي تتصدر المنصة ونجومها الجدد، مما تسبب في وجود طرق بديلة لتحقيق النجومية في عالم الغناء مكنت الكثير من تحقيق انتشار واسع في أيام قليلة فقط.

قديماً، كان من الصعوبة تحقيق المطربين نجاحاً كبيراً من أول أغنية لهم، إذ كانوا يحتاجون إلى رحلة طويلة للصعود، بداية من شركة إنتاج وحجم دعاية كبير وانتظار نتائج كل تلك المجهودات التي قد تستغرق سنوات. ولكن في عصر "تيك توك"، قد تحتاج فقط لأقل من أسبوع لتحقيق ذلك الانتشار، بل قد لا تحتاج إلى إصدار ألبوم كامل أو أغنية كاملة، بل نصف أغنية قادرة على جعلك من نجوم الغناء.

وهو بالفعل ما حدث مع عدد من الفنانين الشباب في 2022، ومنهم الليبي جودي الحوتي صاحب الأغنية الشهيرة "ويش جابك قلي ويش جابك". أطلق الحوتي مقطعاً قصيراً من أغنيته الأولى في مسيرته على "تيك توك"، وحققت انتشاراً كبيراً بعد استخدامها في الفيديوهات الرائجة، وذلك قبل أن يطلق النسخة الكاملة منها، وواجه صعوبات في طرح الأغنية بشكل كامل بسبب عدم درايته بطرق نشر الموسيقى، وهو ما تسبب في ضياع حقوق الأغنية لفترة، قبل أن تمكنه شهرته الواسعة في التعاقد مع شركة لكي تطرح أغنيته رسمياً، وحققت أكثر من 60 مليون مشاهدة على "يوتيوب" في أشهر قليلة. نفس القصة حدثت مع المغني فريد الذي طرح أغنيته الأولى "لو جاي في رجوع إنساني" التي سيطرت على فيديوهات "تيك توك" الرائجة لفترة طويلة.

تجربة تحقيق نجاح لمطربين مغمورين من أول أغنية تدفعنا إلى التفكير في شكل المنافسة الجديد الذي يفرضه واقع "تيك توك"، والذي يدفع أغاني قديمة أيضاً إلى الظهور من جديد على الساحة، مثل أغنية "يوماتي ببعت السلامات" للمطرب عبد الفتاح الجريني الذي عبر عن دهشته من صعود الأغنية على "تيك توك" والمنصات بعد عامين من طرحها، وحدث ذلك مع مغني الراب علي لوكا بتحقيق أغنيته "متخافيش ياما" لانتشار كثيف بعد عام من طرحها، وأصبحت الأغنية التاسعة في قائمة أكثر 10 أغان شهرة في مصر على "تيك توك".

الإحصائيات التي نشرتها "تيك توك" لعام 2022 تؤكد النظريات الجديدة في التسويق في صناعة الأغاني، بصعود المغمورين والمطربين على الهامش إلى الواجهة لمنافسة النجوم التقليديين، ففي قائمة أكثر الفنانين الحاصلين على أكبر عدد من المتابعين الجدد عربياً هذا العام نجد 7 أسماء جديدة خارج السوق الرسمي حتى الآن، ومنهم مطربون لم يطرحوا أعمالاً خاصة لهم في صعودهم مثل زينة عماد وبسملة علاء وفرقة كورال "روح الشرق". وفي قائمة أكثر الفنانين الحاصلين على نسب مشاهدة على المنصة، لم يختلف الأمر كثيراً، وضمت النسبة الأغلب فنانين شباباً يخوضون التجربة لأول مرة، ومنهم من صعد من الهامش إلى السطح مثل المغنية الشعبية ريم السواس التي كانت معروفة في نطاق الأفراح والحفلات الصغيرة في لبنان وسورية، قبل أن تصبح من الأعلى مشاهدة في الوطن العربي بمقاطعها وأشهرها "أكبر غلطة بحياتي"، وتنافسها زميلتها سارة الزكريا صاحبة المقطع الغنائي الشهير "إلى حبيبي المستقبلي". في القائمة أيضاً المغنية اللبنانية فرح شريم التي حققت هذه الشهرة بأغنية أصلية واحدة وهي "قلبي إلو".

وتمتلئ قوائم المقاطع الصوتية الأكثر رواجاً بأصحاب الأسماء غير المعروفة الذين قد لا يعرف الجمهور أيضاً أسماءهم أو عناوين أغانيهم الأصلية، ولكن المهم هو المقطع الرائج، وهي من سلبيات الشهرة على "تيك توك"، والتي تأتي في المقام الأول للمقطع المتداول وليس للفنان نفسه، لذلك يضطر صناع هذه الأغاني إلى تغيير عناوين الأغاني بإضافة الجمل الشهيرة إلى عنوانها، مثل أغنية "لو جاي في رجوع إنساني" وهي أغنية كان عنوانها الأصلي قبل شهرتها "بأمارة إيه"، وأغنية الجريني "يوماتي ببعت السلامات" التي كان إسمها "يا حبيبي" وغيرها.

ظاهرة صعود المغنين من خلال "تيك توك" ومن دون إمكانيات تسويقية كبيرة لا تقتصر على الوطن العربي فقط أيضاً، واستخدمها الكثير حول العالم، معتمدين على تفاعل الجمهور العادي مع الأغاني ودفعها للانتشار ذاتياً، وأصبح المستخدم العادي قادرا على تحويل عمل غير معروف إلى رائج حسب طريقة استخدامه وتفاعله معه، وهو ما يشير إلى صعود المزيد من أصوات الهامش إلى الواجهة وتحقيق جماهيرية كبيرة على أرض الواقع، وتؤكد ذلك الدراسات أيضاً وآخرها إحصائية لشركة MIDiA RESEARCH التي ذكرت أن 26 في المائة من الجمهور الذي يتراوح عمره بين 20 و24 عاماً حضروا حفلات واشتروا منتجات لفنانين اكتشفوهم لأول مرة من خلال المقاطع الرائجة على "تيك توك"، فهل تصبح هذه النسبة هي القاعدة في تحقيق الجماهيرية في مستقبل صناعة الموسيقى؟

المساهمون