تكنولوجيا زمن الجائحة... ذلك الوعد الزائف

01 فبراير 2022
يزوّر كثيرون ما يُعرف بـ"الجوازات الصحية" (كيران رايدلي/Getty)
+ الخط -

يرسم الخيال العلمي لنا عالماً مستقبلياً متقناً، بغضّ النظر عما إذا كان مأساوياً أو يوتوبياً... هناك إتقان من نوع ما، يطرَح عندما تحل التكنولوجيا مكان البشر. في "الماتريكس" مثلاً، العالم المتخيل مثالي، وظيفي، أخطاؤه يسببها شخص "واحد"، في "المرآة السوداء" هناك ثقة كاملة بالتكنولوجيا، ولا عيوب فيها بالرغم من هيمنتها، وكأننا منذ مطلع الألفية الجديدة، نستعد في عوالم المخيلة إلى الاستسلام إلى التكنولوجيا وقدرتها على ضبطنا، والسيطرة علينا وفق منطقها الخاص.
أدت الجائحة والإجراءات المتبعة من أجل السيطرة على الحشود وضبط العدوى، إلى الاعتماد بشكل أكبر على التكنولوجيا، كونها ستسهل تجاوزنا لهذه المصيبة، وتسرّع الحرب انتصارنا في على الفيروس والحفاظ على تدفقنا. لكن، بعد أكثر من عامين في ظل الوباء، يبدو أنّ التكنولوجيا ليست على القدر المتوقع من التطور، أو القدرة على تنظيم حياتنا.
خيبة الأمل هذه تبدأ مع الجوازات الصحية المزيفة، التي يقال إنّ عددها في فرنسا وصل إلى 18 ألفاً. لا تهمنا حقيقة الأسباب التي قد تدفع البعض إلى تزوير الجواز الصحي (رفض اللقاح، عدم إيجاد موعد للقاح... إلخ)، بل بالأصل قابلية هذا الجواز للتزوير، وتهديد حياة الكثيرين؛ أي بالرغم من تسليم كثيرين "حياتهم" و"صحتهم" للتكنولوجيا، ما زال الخطر قائماً، حتى لو قبلنا بأن تحصل "السلطة" على كلّ معلوماتنا. التزييف والقرصنة قائمان، ما يهدد جدوى التكنولوجيا ذاتها، العاجزة عن ضبط الأفراد، بعكس ما نشاهد في الخيال العلمي؛ إذ ينصاع الجميع للتكنولوجيا ومعاييرها، بوصفها الأسلوب الوحيد للحياة، كما في الحلقة الأولى من الموسم الثالث من مسلسل "المرآة السوداء".
يمتد الأمر إلى الاختبارات الصحية غير الدقيقة، خصوصاً نتيجة "غير محدد"، الناتجة عن فحوصات كورونا، التي تترك الفرد ليس فقط محتاراً، بل ممنوع من الحركة. هل هو مريض أم لا؟ هل يحق له السفر أم لا؟ بالطبع هذه النتيجة "تشلّ" صاحبها كونها تشابه النتيجة "الإيجابية"، وما يترتب عليها من إجراءات، خصوصاً أن تسارع تحور الفيروس يتجاوز ذاك المرتبط بأساليب تشخيصه، أو حتى تقديم إحصائيات دقيقة، أي حتى تقنية فرز الأصحاء من المرضى، وإحصائهم، وضبط تدفقهم عبر الحدود والمساحات العامة، لا تبدو متماسكة وقادرة على رسم خريطة لحركة الأفراد وتوزعهم.

يمتد الأمر إلى مجالات أوسع، العملات الرقمية التي شكلت أملاً بتغيير جذري لأسلوب عملنا وعلاقتنا مع النظام الاقتصادي، ما زالت غير موثوقة؛ فقطع الإنترنت في كازاخستان هدد السوق، والفزع الحالي دفع أسعار العملات إلى أدنى مستوياتها، من دون تبريرات واضحة، وكأن الوعد الذي قدمته العملات الرقميّة ليس إلا خدعة من نوع ما، أو ربما المعركة من شكل الدولة التقليدية ما زالت غير محسومة، وتميل إلى كفة السلطة التي حتى الآن توظف المنع والتخويف للوقوف بوجه العملات الرقميّة.
لا يمكن، نهايةً، إلّا الإشارة إلى بلاهة عالم ميتافيرس، الذي ما زال أشبه بتجربة فاشلة، بل إن الحفلات الموسيقية التي استضافها ميتافيرس كانت تثير الشفقة، ولم يسمع بها أحد، بالرغم من أنها مجانية؛ فحفلة "يونغ ثاغ (Young thug) لم تنل أكثر من 125 ألف مشاهدة، في حين أنّ حفل الـDJ، ديفيد غيتا، شاهده قرابة الـ 900 ألف شخص، وهي أرقام تافهة بالمقارنة مع الوعود التي قدمها ميتافيرس وجمهور هؤلاء الفنانين أنفسهم.

الواضح أنّ الهيمنة التكنولوجية ما زالت بعيدة، وأشكال الحكم التقليدية وجدواها ما زالت هي الأقدر على التأثير في الناس، بالقوة أو اللطف، أو ربما لم تأخذ التكنولوجيا بعد مجدها، وما زالت في المراحل التجريبية... كلّ هذه الاحتمالات لا يمكن التيقن منها، لكنّ ما نعلمه أنّنا ما زلنا في خطر والتكنولوجيا لا تقدم حلاً.

المساهمون