في ظل الارتباك الواضح في تعامل الإعلام الروسي الرسمي مع التمرد المسلح الذي قاده رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين نهاية الأسبوع الماضي، زاد اعتماد المواطنين الروس على وسائل التواصل الاجتماعي، لمعرفة حقيقة الأوضاع على الأرض.
وبرز الاعتماد الكبير على تطبيق تليغرام كمصدر أساسي للمعلومات حول تحرك قوات فاغنر السريع والمفاجئ من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا إلى مدينة رستوف على الدون، ومنها إلى فارونيج وليبتسك. ورصد مستخدمو التطبيق بالصور ومقاطع الفيديو تقدم طلائع "فاغنر" إلى نحو 200 كيلومتر من حدود العاصمة الروسية موسكو.
وعزز حجم المعلومات المتداولة على تليغرام حول التمرد الدور الكبير للتطبيق منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا بعد حظر وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المراسلة الأجنبية مثل فيسبوك وواتساب. وكان لافتاً تحوله إلى أهم مصدر لتغطية أنباء الحرب من قبل الروس والأوكرانيين على حدّ سواء، بعد تحدي مؤسسيه السلطات الروسية في 2018 ورفضهم تسليم رموز التشفير الخاصة لهيئة الأمن الفيدرالي الروسي لتمكينها من قراءة رسائل مستخدميه.
وتحوّلت قنوات "تليغرام" إلى أهم مصدر للأنباء عن "مسيرة العدالة" وهو المصطلح الذي استخدمه بريغوجين لتحرك قواته نحو موسكو من أجل حل خلافاته مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان فاليري غيراسيموف.
وفيما واصلت القنوات الرسمية الروسية بثّ برامجها بشكل اعتيادي مساء الجمعة، كانت قنوات "تليغرام" تعج بمقاطع فيديو وصور لإعلان بريغوجين توجهه مع قواته إلى مدينة رستوف، ولاحقاً تحرك القوات عبر الحدود الأوكرانية الروسية. وأمام سيل هذه الأخبار قطعت القناة الروسية الأولى بثها بعد منتصف الليل بأكثر من ساعة ونصف لتقديم موجز للأنباء أشارت فيه إلى نفي وزارة الدفاع قصف معسكر لقوات فاغنر، من دون تقديم أي تفاصيل عن التحرك.
بالتزامن، بدأ الإعلام الروسي بالترويج لكلمة مرتقبة للرئيس فلاديمير بوتين صباح السبت. هكذا وبعد انتهاء الخطاب، تحول بريغوجين فجأة إلى عميل وخائن وجزء من "الطابور الخامس". وكان لافتاً أن معظم رموز بروباغاندا الكرملين الناشطين على تليغرام لم يحددوا موقفهم بشكل واضح إلا بعد كلمة بوتين، ومنهم مارغارييتا سومنيان، وفلاديمير سولوفيون وغيرهما.
وعلى عكس تأكيد الإعلام الرسمي أن التمرد لم يحظ بدعم من السكان، فضحت مقاطع الفيديو على تليغرام حجم التأييد الشعبي لبريغوجين إذا قوبل بالتصفيق والشكر واندفع كثيرون لالتقاط الصور معه أثناء خروجه من مقر العمليات في رستوف.
رغم بروز دور "تليغرام" في تغطية وقائع الحرب الروسية على أوكرانيا من طرفي الصراع، ودوره الكبير في كشف تفاصيل التمرد الحالي لحظة بلحظة، فإن التطبيق استُخدم على نطاق واسع كأداة لإدارة حركات الاحتجاج في عام 2018 بعد تقديم مشروع قانون بشأن رفع سن التقاعد إلى مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، وأطلق قادة الاحتجاج قناة دائمة لتنسيق التحركات عبر رسائل ونداءات من دون تحديد الأشخاص الذين وجهوها لتلافي الملاحقات.
وفي 2018 قدمت التطبيق نسخة محدثة من Telegram geochats، التي يمكن عبرها التواصل مع الأشخاص داخل دائرة نصف قطرها 100 متر إلى 12 كيلومتراً، وهي ميزة مناسبة للمشاركين في التجمعات الاحتجاجية.
واستفاد أنصار المعارض الروسي أليكسي نافالني في تنظيم تظاهرات في 23 و31 يناير/ كانون الثاني 2021 احتجاجاً على اعتقال نافالني بعد عودته من العلاج في ألمانيا إثر محاولة تسميمه. وباستخدام تقنيات التطبيق استطاع المتظاهرون نقل تجمعاتهم بسرعة لتجنب الإجراءات الأمنية وإغلاق الساحات. ورفضت إدارة "تليغرام" إغلاق حسابات المعارضين على عكس موقع "فكونتاكتي" الروسي الشهير الذي استجاب لطلب هيئة مراقبة الاتصالات، ما تسبب في زيادة صدقية التطبيق وعدد مستخدميه.
وسمح استخدام "تليغرام" بتنظيم وتكثيف الاحتجاجات ضد السلطات بعد اعتقال حاكم مقاطعة خباروفسك سيرغي فورغال في 2020، ولاحقاً في تنظيم حركة الاحتجاج في 2020 ضد دمج مقاطعتي أرخانغيلسك ويامال ننيتسك (شمال غربي روسيا). حينها أطلق الناشطون هجوماً إعلامياً على قيادات المنطقتين، ما ساهم في تكثيف المزاج الاحتجاجي للسكان وتعليق قضية التوحيد إلى أجل غير مسمى.
ومع عدم رضوخ "تليغرام" لمطالب هيئة مراقبة الاتصالات في روسيا بكشف بيانات المستخدمين الشخصية وتسليم شيفرات الاستخدام، ولجوء السلطات ذاتها لإطلاق حملات للتوعية من خطر جائحة كورونا زاد تحميل التطبيق في روسيا قرابة 23 مرة منذ 2020.
وأسّس "تليغرام" رجل الأعمال بافل دوروف في 2013 ويُستخدم على نطاق واسع لدى أوساط الصحافة، ويتيح مراسلات تحتاج إلى مستوى عالٍ من السرية. وحسب بيانات القائمين عليه فقد بلغ عدد مستخدميه النشطين حول العالم قرابة 700 مليون شهرياً في 2023، ما أهّله لبلوع المركز التاسع بين مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج المراسلة. وفي روسيا وحدها يستخدمه قرابة 48.8 مليون شخص شهرياً، ليصبح منافساً قويا لتطبيق فكونتاكتي للتواصل الاجتماعي والمستخدم على نطاق واسع في روسيا وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق ويبلغ عدد مستخدميه 100 مليون شهرياً.