تعهدت الحكومة الجزائرية بتحسين أوضاع الصحافة في البلاد، وتطوير القطاع الإعلامي بما يتوافق مع التحديات التي تعيشها هذه الصناعة في الجزائر ومختلف أنحاء العالم، إلى جانب توفير ظروف أفضل لقيام الصحافة بدورها في مناخ من الحريات.
ما سبق ورد في وثيقة السياسة العامة التي سيقدمها رئيس الحكومة، أمين بن عبد الرحمن، أمام نواب البرلمان في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ونصت الوثيقة أيضاً على إجراء مراجعة للإطار التشريعي والتنظيمي المتعلق بقطاع الصحافة، بهدف مواءمة عملها مع الدستور الجديد، و"تكريس صحافة حرة ومستقلة تحترم قواعد المهنة وأخلاقياتها وأدبياتها، بما يجعلها وسيلة للممارسة الديمقراطية ومحمية ضد كل أشكال الانحراف"، على أن تعكف الحكومة على مراجعة كل النصوص القانونية في هذا المجال، "لتشجيع تحرير الفضاء الإعلامي مع احترام قواعد الحوكمة"، وفق ما جاء في النص.
وأكدت الحكومة في الوثيقة التي ستكون محل نقاش من قبل نواب البرلمان، التزامها "تجسيد الحقوق المكرسة في الدستور، لا سيما حق المواطن في الحصول على خدمة إعلامية موثوق بها، وضمان ممارسة مهنة صحافية حرة، مع احترام أخلاقياتها وأدبياتها، وقيم المجتمع، وإحداث قطيعة مع الممارسات القديمة على صعيد الاتصال المؤسساتي وتطوير وسائل الإعلام العمومية والخاصة".
لكن رغم التفاؤل الذي قد يبعثه نص الوثيقة، فإن الصحافيين الجزائريين يرون أنّ هذه التعهدات تمثل عناوين سياسية لا تجد لها في الوقت الحالي موضعاً للتطبيق، رغم مرور حوالي 3 سنوات من الولاية الرئاسية الأولى للرئيس عبد المجيد تبون، الذي تعهد في خطاب تسلّم السلطة بتأمين سقف لا محدود من الحريات، وتسوية وضعية القنوات المحلية وتطوير قطاع الإعلام. غير أنّ الأوضاع التي يعيشها الصحافيون والطريقة التي تدير بها السلطة القطاع الإعلامي، خصوصاً لناحية الحريات وتوزيع الإعلانات، تطرح أسئلة كثيرة حول إمكانية وفاء الرئيس أو حتى الحكومة بتعهداتها.
فمن المؤشرات السلبية أنّ قانون الإعلام الجديد في الجزائر، ما زال يراوح مكانه منذ أشهر، إذ أعيد إلى الحكومة لتعديله ثلاث مرات متتالية منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فيما لم يطرح بعد قانون ينظم الإعلانات، وتنتظر القنوات المحلية تسوية أوضاعها القانونية، حالها حال الصحافة الإلكترونية.
في هذا الإطار يقول الصحافي ومقدم البرامج بلقاسم عجاج في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك إجماعاً على أنّ أزمة الصحافة في الجزائر، هي أزمة مركبة ومعقدة، وزادت المشاكل الموروثة من المراحل السابقة تعقيدها، لذلك فإنّ إصلاح وتنظيم قطاع الإعلام يحتاج إلى جهود كبيرة، تتجاوز تطوير الإطار التشريعي أو تحسين القوانين الناظمة، حتى وإن كان ذلك ضرورياً. وعموماً تبقى التعهدات الحكومية المعلنة بحاجة الى تطبيق حقيقي، لتحويل الإرادة السياسية المعلنة إلى عمل ميداني، يساهم في إخراج الصحافة من واقعها المزري الراهن ويسمح بقيام إعلام حر ومسؤول".
وبرأي رئيس المجلس الوطني للصحافيين (تنظيم نقابي) عمار شريتي، فإنّ ما تتحدث عنه الحكومة و"الإعلان عن وجود إرادة عبّر عنها الرئيس عبد المجيد تبون، لتعديل الإطار التشريعي لقطاع الإعلام بما يواكب التغيرات التي تحدث في المهنة، أمر إيجابي، لكن تشوبه مخاوف ونواقص كبيرة على الصعيد العملي". ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد"، "نعتقد في المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين أن أي تعديل لهذا الإطار القانوني من دون استشارة واسعة للفاعلين في القطاع سيكون قاصراً عن مواكبة حاجات المهنة".
ويؤكد أن "هناك ما هو أهم من وضع قوانين جيدة، وهو تفعيل القوانين الموجودة أصلاً، فمن الصعب أن نتحدث اليوم عن صحافة جزائرية تحترم قواعد المهنة، بينما الإطار القانوني الذي يحدد قواعد هذه المهنة شبه معطل. فنحن نملك قانون إعلام منذ عقد من الزمن ينص على إنشاء هيئات مثل سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، لكنها لم تُشكّل. كما نملك قانون إعلام يتحدث عن دعم الصحافة وترقيتها بمواد لم تُفعّل معظمها ميدانيا. إضافة إلى ما سبق نحن نطالب بمراجعة قوانين أخرى غير قانوني الإعلام والسمعي البصري، مثل قانون مكافحة المضاربة الذي يقفز على حقوق الصحافيين في مواده، ويتجاوز الدستور الجديد الذي يمنع حبس الإعلاميين بسبب أخطاء مهنية، عكس قانون العقوبات الجزائري الذي يطبق أحكاماً خاصة على الصحافيين في حال ارتكاب جنح في إطار عملهم المهني".