تطبيقات صينية في عين العاصفة

16 اغسطس 2021
إجراءات تطاول شركات تكنولوجية تسيطر على القطاع في الصين وخارجها (نيكولاس عصفوري/فرانس برس)
+ الخط -

نهاية الأسبوع الماضي، رفع مدعون عامون صينيون دعوى قضائية للنيابة العامة في العاصمة بكين، ضد شركة "تنسنت" بسبب مزاعم تتعلق بانتهاك حقوق الأطفال عبر تطبيق "وي تشات". وطالب المدعون بتوفير المزيد من الحماية للمستخدمين القُصَّر من التهديدات التي تشكلها ألعاب الفيديو وغرف الدردشة المغلقة. هذه المرة الأولى التي يُوجَّه فيها هذا النوع من التهديد القانوني ضد الشركة المتخصصة في مجال الإنترنت والألعاب. وقالت النيابة العامة، في بيان لها، إنها وجدت في بعض التطبيقات التابعة للشركة الصينية، ما يضرّ بالمصالح القانونية للقُصَّر، معتبرة أن ذلك يستحق التقاضي بشأن المصلحة العامة، وفتحت المجال أمام جميع المؤسسات والمنظمات الاجتماعية لتقديم شكاواها ضد الشركة في شكل كتابي خلال ثلاثين يوماً.

وكانت السلطات الصينية قد أمرت "تنسنت"، في وقت سابق، بإنهاء عقود احتكار مع أصحاب حقوق التأليف والنشر الخاصة بالمكتبة الموسيقية، في غضون شهر واحد، وعللت ذلك باستحواذ الشركة على أكثر من 80 في المائة من محتويات المجموعة الصينية للموسيقى.

شددت بكين أخيراً قبضتها الأمنية على شركات التكنولوجيا الصينية، مثل "تنسنت" ومجموعة "علي بابا" عملاقة التجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى شركات أخرى تهيمن على الترفيه وتجارة التجزئة في البلاد. وبالرغم من جهود شركة "تنسنت" على مدار السنوات الماضية لتقليص وقت اللعب المخصص للشباب وتعزيز ضوابط المحتوى، بما لا ينتهك حقوق القصر، فإنها لم تسلم من المضايقات الحكومية المستمرة التي كان آخرها ما نشر في مقالة بصحيفة رسمية وصفت ألعاب الفيديو بأنها "أفيون للعقل". كبّدت هذه الحملة الشركة خسائر بلغت قيمتها حوالى 400 مليار دولار (الدولار = 6.48 يوان صيني)، وذلك بعد أن سحب العديد من المستثمرين أسهمهم وسط مخاوف من تدخل الدولة في إطار حملة طاولت قطاعات العقارات والتعليم والتجارة الإلكترونية.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

أبرز التطبيقات 
تعتبر شركة "تنسنت" في مقدمة الشركات المستهدفة من قبل الحكومة، وهي شركة تكنولوجية تدير أكبر شبكات التواصل الاجتماعي والألعاب في الصين، بالإضافة إلى أعمال التجارة الإلكترونية والمدفوعات عبر الإنترنت، تأسست عام 1998 ويَقع مقرها في مدينة شين جن جنوبيّ البلاد، وتعتبر واحدة من بين أكثر 10 شركات مساهمة قيمة في العالم، حيث تقدر قيمتها السوقية بـ 680 مليار دولار.

ويُعَدّ تطبيق "وي تشات" الذي تملكه "تنسنت" واحداً من أكثر التطبيقات استخداماً ورواجاً في الصين، والأشهر عالمياً، إذ يستخدمه نحو 800 مليون صيني، فضلاً عن استخدامه خارج البلاد، ويقدم التطبيق خدمات التواصل عبر الرسائل القصيرة والمحادثات الصوتية وكذلك مكالمات الفيديو، بالإضافة إلى خدمات الدفع الإلكتروني عبر ربط التطبيق بحسابات المستخدمين البنكية. أيضاً تمتلك "تنسنت" تطبيق "كيو كيو"، وهو من أشهر وأقدم تطبيقات المحادثة في الصين، ويستخدم بشكل واسع النطاق بين الموظفين داخل الشركات والمؤسسات، ويتميز بسرعة نقل البيانات والملفات بين المستخدمين.

أكثر من نصف مستخدمي الإنترنت في الصين البالغ عددهم 800 مليون، يُنزلون ألعاب الفيديو على هواتفهم الذكية

وتعرضت شركة "نت إيز" لمضايقات وملاحقة مستمرة، وهي شركة تكنولوجية تأسست عام 1997، تقدم خدمات عبر الإنترنت تتركز في الثقافة والمجتمع والاتصالات والتجارة، وتقوم بتطوير وتشغيل ألعاب الكمبيوتر والخدمات الإعلانية وخدمات البريد الإلكتروني. وقد تعهدت الشركة في وقت سابق بفرض المزيد من الضوابط للحد من إدمان الشباب الذين تقلّ أعمارهم عن 18 عاماً، على استخدام ألعابها ومنتجاتها.

أيضاً تعرضت شركة "ديدي" التي تقدم خدمات النقل على نطاق واسع في الصين (550 مليون مستخدم)، لإجراءات عقابية من الحكومة الشهر الماضي، بحجة تسريب البيانات الشخصية للمستخدمين، وقد أمرت سلطات الأمن الإلكتروني متاجر التطبيقات منع الشركة من استقطاب مستخدمين جدد. 
وكانت السلطات الصينية قد فرضت في إطار حملتها على شركات التكنولوجيا، غرامة قدرها 2.78 مليار دولار على مجموعة علي بابا، بحجة الهيمنة واحتكار السوق. 

مخاطر وتحديات
حول المخاطر التي تواجهها شركات التقنية، يقول الخبير في معهد العلوم والتكنولوجيا بمقاطعة شاندونغ، لين جاو، متحدثاً لـ "العربي الجديد"، إنه بالرغم من اتخاذ بعض الشركات إجراءات لحماية القصر والحد من استخدامهم لتطبيقاتها، مثل تفعيل ميزة التعرّف إلى الوجوه عند تسجيل المشتركين، فإنه يصعب من الناحية العملية منع هؤلاء من الوصول إلى ألعاب الإنترنت، لأنهم ببساطة قادرون على إخفاء أعمارهم الحقيقية، هذا إلى جانب لجوء بعضهم إلى الاستعانة بأشقاء لهم أكبر سنّاً عند تسجيل اشتراكاتهم بتلك الألعاب. ويضيف أنّ مثل هذه الإجراءات لا تمثل ضمانة للنجاة من عواقب حكومية، لأن السلطات لا تنظر إلى المبررات، وتستمع دائماً إلى شكاوى الأسر من قضاء أبنائهم ساعات طويلة في استخدام ألعاب الفيديو وبعض التطبيقات التي تسهّل التعارف بين الجنسين من الشباب والمراهقين.

تغوّل الشركات دفع السلطات إلى الحد من المنافسة غير العادلة

ويوضح لين جاو أنّ حملة الدولة على الشركات التكنولوجية لا تنطلق فقط من الحرص على الشباب والقيم الاجتماعية، فهناك أسباب أخرى لها علاقة بنمو صناعة الألعاب في البلاد وتحقيق إيرادات كبيرة جداً، في وقت تقدم فيه الحكومة حوافز ضريبية لتشجيع المنافسة، لكن تغوّل بعض الشركات واحتكار السوق، دفعا السلطات إلى التدخل من أجل وضع حد لما تعتبره منافسة غير عادلة. فضلاً عن امتلاك هذه الشركات لقاعدة بيانات ضخمة قد تشمل نحو 75 في المائة من سكان الصين، وهو أمر يقلق السلطات، باعتبار أن شركات التكنولوجيا قطاع خاص لا تسيطر عليه الحكومة، وبالتالي قد يكون عرضة للاختراق أو الابتزاز من دول معادية.

ويلفت لين إلى أنّ أكثر من نصف مستخدمي الإنترنت في الصين، البالغ عددهم 800 مليون، يُنزلون ألعاب الفيديو على هواتفهم الذكية، ما يصعّب من مسألة الرقابة، وأنّ اتخاذ أي قرار بحظر مثل هذه التطبيقات سيكون غير منطقي ومجحفاً  بحق الشركات والمستخدمين. ويضيف أنّ معالجة قضية الإدمان يجب أن تكون بالتوافق وضمن برامج توعوية وتثقيفية، وليس من خلال فرض إجراءات عقابية وممارسة الوعيد والترهيب.

المساهمون