"تشات جي بي تي" بجُمل سريعة: التكنولوجيا المذهلة

03 سبتمبر 2024
لا يعمل الذكاء البشري كما تعمل خوارزميات "الذكاء" الاصطناعي (ويندل ثيودورو / Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الفيلم الوثائقي "The Real! ChatGPT: Creator or Terminator"**، من إخراج نك راندال، يستعرض التقدم السريع لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على "تشات جي بي تي"، ويطرح أسئلة أخلاقية معقدة من خلال مقابلات مع خبراء وشهود.

- **أسلوب راندال التقليدي في الإخراج** يظهر بوضوح من خلال مقابلات وتفسير المعلومات، مما يعكس التشتت العالمي حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي.

- **التناول السطحي لمفهوم الذكاء** في الفيلم يثير تساؤلات حول كيفية قراءة مصطلح الذكاء في مجالات متباعدة، ويعكس التهويل الذي يرافق كل اختراع جديد.

صدر أخيراً الفيلم الوثائقي?The Real! ChatGPT: Creator or Terminator، من إخراج نك راندال، المتخصص بالوثائقيات الخفيفة منزوعة السياق. حاول راندال في هذا العرض البحث في ماهية التقدم فائق السرعة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها "تشات جي بي تي". يسلط العمل الضوء أيضاً على الإنجازات المذهلة التي قدمتها هذه التكنولوجيا في المجالات كافة، ويعرض مجموعة من الأصوات المتناقضة، بعضُها متشكك والآخر متفائل. يضع أسئلة أخلاقية معقدة طارئة على البشرية طرحتها التكنولوجيا الحديثة مقابل إنجازات حاسمة في مجالات الرعاية الصحية وتطوير الأدوية والنقل العام وغيره، ذلك كله على أساس معادلة صفريّة تتقابل فيها الحجج لتنفي بعضها بعضاً، فنقع في النهاية في حيرة المخرج الذي يتناول موضوعه بدراية ناقصة.
لراندال أكثر من 16 عملاً ستصدر لاحقاً. ومنذ عام 2005، كان قد أخرج أكثر من 113 عملاً، جميعها تعتمد نفس المنهج التقليدي: مقابلات مع خبراء وشهود، وتفسير المعلومات بالوسائط المتاحة. والقصة تتمحور حول ترند معين أو شخصية أميركية شهيرة (ممثل أو مغنّ). اللافت هنا هو استبدال الشخصيات البشرية التي كان قد حاول سبر أغوارها في أفلامه بالذكاء الاصطناعي باعتباره -كما ذكر أحد الخبراء في العمل- سلالة جديدة.
يبدأ العمل بجُمَلٍ سريعة ومتتالية وحاسمة تثير القلق لدى المشاهد، كـ"فقدان السيطرة على ما صنعنا" أو "لن يعود الجنيّ إلى المصباح" أو" أكبر من أن يسيطر عليه" أو "فرانكشتاين". تبدأ الشهادات بالتناوب على الشاشة بين المشككين والمتفائلين من الخبراء والعاملين في المجال. تحاول الشهادات تفنيد التهويلات المبالغ فيها والأثر الحقيقي لهذا الاختراع؛ فبعضهم يبشر بالخراب، والآخر يبشر باليوتوبيا في حال أصبح هناك "تعاون عالمي وتشارك في مصادر المعلومات".
على الرغم من النغمة المتفائلة للعمل، إلا أن كل المحاور التي طرحت أتت متناقضة، ولم توظف في تسلسل يخدم وجهة نظر المخرج أو يقدم انحيازاً إلى جهة ما. جميعها كانت مشتتة ومبتورة ومنزوعة من سياقها. هذا يصل إلى المشاهد دليلاً على التشتت العالمي حول هذه التكنولوجيا. على سبيل المثال، نشاهد عدة مقابلات ومؤتمرات لإيلون ماسك ولسام آلتمان (المدير التنفيذي لـ"تشات جي بي تي"). يقول ماسك إن هنالك 20% من الخطر في هذا الاختراع ولا نعلم ما هو الخطر أو لماذا. أما آلتمان فلم يتطرق إلى الذكاء الاصطناعي سوى في مجالات الصحة العامة وصناعة الأدوية بوصفها يداً إلهية تشفي البشرية. آلتمان وماسك ليسا وحدهما في النهاية، ولم يذكر العمل السلسلة المعقدة من المصممين والمهندسين والفنيين والمنظمين والمدراء والمستخدمين والمصنعين والبائعين والموزعين ومصممي السياسات. وعبر السلسلة السابقة، تمر التكنولوجيا محملةً بأسئلة أخلاقية، كالحقوق الفكريّة في الغرب أو استخدام الذكاء الاصطناعي لاستهداف الفلسطينيين.
إضافةً إلى ما سبق، يجرى تداول مفهوم الذكاء باستخفاف في العمل، وكأنه كتلة قابلة للقياس، بينما معدل الذكاء ليس حداً لإمكانيات الشخص الفكرية، ولا يعمل الذكاء البشري كما تعمل خوارزميات "الذكاء" الاصطناعي التي تبحث عن الأنماط المتشابهة في مجموعات البيانات الإحصائية لتنتج لنا نصاً مبنياً كلمة بعد كلمة تتناسب مع ما هو مخزن مسبقاً. هنا، كيف يمكننا قراءة مصطلح الذكاء في مجالين متباعدين لا يربط بينهما سوى الترويج القائم على ما هو مثير وغير اعتيادي؟

من اللحظات الأولى لانطلاق "تشات جي بي تي" والمعضلات ما زالت في تزايد كبير. بدايةً من الفرد، وصولاً إلى السياسات الدولية. وترافق مع هذا الاختراع، كما مع سابقيه كالمحرك البخاري أو الإنترنت في بداية الألفية، تهويلٌ وتطبيل وجرأة صحافية مبالغٌ بها. وكهذا الوثائقي، سنشاهد الآلاف مثله تطرح الأسئلة الأبدية عن الفن والنقد والخيال والإله، من دون أن نجد إجابة حاسمة على أي منها. يبقى لنا فقط الاستمتاع بالتطور اللانهائي وغير المحسوب للبشرية.

المساهمون