ترميم جامع عمرو بن العاص في مراحله الأخيرة

27 يناير 2022
أول المساجد التي أنشئت بعد الفتح الإسلامي لمصر وأفريقيا (فايد الجزيري/Getty)
+ الخط -

دخل ترميم جامع عمرو بن العاص وتطوير الساحة الملحقة به مراحله الأخيرة، وذلك ضمن عملية التطوير القائمة في منطقة الفسطاط الأثرية لإعادة تأهيلها، حيث يحظى جامع عمرو بأهمية تاريخية ودينية وتراثية متفردة باعتباره أول المساجد التي أنشئت بعد الفتح الإسلامي لمصر وأفريقيا، واللبنة الأولى التي تأسست عليها مدينة القاهرة الإسلامية.

افتتح الجامع للصلاة للمرة الأولى سنة 20هـ/641م؛ حينذاك لم تكن فنون العمارة الإسلامية نضجت بعد، وكان الهدف الوحيد هو بناء مسجد بسيط يصلي فيه الجنود المتمركزون في الفسطاط، وهذا ما يبرر واقع أنه لم يتبق من أثر الجامع القديم الذي بناه عمرو بن العاص سوى موقعه واسمه.

اختار الجنود موقع مسجدهم أمام بساتين الفسطاط، وحددوا أبعاده بـ 29×17م (323 متراً)، وشيدوه من الطوب اللبن، وصنعوا له ستة أبواب، وحمل سقفه المنخفض المكون من الجريد والطين على سوار من جذوع النخل، وفرشت أرضه بالحصباء، وكانت جدرانه بلا طلاء، ولم يكن له صحن، وألحقوا به بئرا للوضوء. وقيل إن عمرو بن العاص بنى منبراً عالياً للخطابة، فأمره عمر بن الخطاب بإزالته لكي لا يكون الخطيب أعلى من المصلين. واختار عمرو موقعاً في شرق الجامع ليبني بيته، وجعل بينه وبين سور الجامع طريقاً عرضه 7 أذرع.

الاحتياجات الحضارية هي التي طوّرت هيئة الجامع المعمارية بما يناسب مكانته التي تنامت شيئاً فشيئاً عبر التاريخ، إذ صار مع مرور الزمن جامعةً إسلامية ومنارة للعلم ومقصداً للدارسين، قبل أن توجد جوامع الأزهر والزيتونة والقيروان.

وكان للجامع أهمية روحية كبيرة للمصريين عبر التاريخ، ومنذ زمن الفاطميين وهناك تقليد رسمي سنوي لم يتخلَ عنه الولاة والخلفاء والفقهاء وكبار رجال الدولة والأعيان، إذ كانوا يقصدونه لأداء صلاة الجمعة اليتيمة (الأخيرة) في رمضان.

اتسعت مساحة الجامع إلى أن وصلت حالياً إلى 13556.25 متراً (112.5 × 120.5 مترا)، وكانت مراحل التطوير مبكرة، فيقال إن معاوية كلف واليه على مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري، سنة 673، بأن يقوم بتوسعة الجامع ويقيم فيه أربع مآذن. ولكن في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، هدم الوالي قرة بن شريك الجامع الأصلي سنة 93هـ/710م لكي يزيد مساحته، ثم أنشأ فيه محراباً مجوفاً، ومنبراً خشبياً ومقصورة، وجعل له سبعة أبواب. وأيضاً حدث تطوير كبير في أيام الخليفة المأمون العباسي سنة 212هـ/827 م وواليه على مصر عبد الله بن طاهر. أما العصر الفاطمي فقد بلغ فيه الجامع شأنا عظيماً، حتى وصفه الرحالة الفارسي "ناصر خسرو" أيام المستنصر الفاطمي؛ فقال: "إنه قائم على أربعمائة عمود من الرخام، والجدار الذي عليه المحراب مغطى كله بألواح الرخام الأبيض كتبت عليها آيات من القرآن بخط جميل. وتحيط بالمسجد الأسواق من جهاته الأربع، وعليها تفتح أبوابه". ويضيف خسرو متحدثاً عن نشاط الجامع بأنه "كان يوقد في ليالي المواسم أكثر من سبعمائة قنديل، ويفرش بطبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض، ويضاء كل ليلة بأكثر من مائة قنديل. وهو مكان اجتماع سكان المدينة الكبيرة، ولا يقل من فيه في أي وقت عن خمسة آلاف من طلاب العلم والغرباء، والكتاب الذين يحررون الصكوك والعقود وغيرها".

وتعرض الجامع لنكبات عديدة كالحرائق والزلازل، وأصابه الإهمال في فترات عدة، لكنه كان يحظى بالترميم والتطوير واستعادة رونقه من حين لآخر، وحين حكم صلاح الدين الأيوبي مصر رممه وجدد بعض أجزائه مثل صدر الجامع والمحراب، وأعاد بياض جدرانه. وفي عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون أعيد إعمار الجامع بعد أن تضررت جدرانه بزلزال 702ه. أيضاً قام مراد بك والي مصر العثماني بعملية ترميم كبيرة، بعد ميل أعمدته وسقوط أواوينه، وفي عصره شيدت منارتان، منهما المنارة الباقية الآن، وهي ذات تصميم بسيط، ولها قمة مخروطية. وأنجزت إصلاحات مراد بك في أواخر شهر رمضان سنة 1212ه/1797م.

دلالات
المساهمون