اتُّهمت الحكومة البريطانية بتسريع تسوية رسوم ترخيص الوصول إلى خدمات هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، التي تدفعها الأسر البريطانية وتعرف بـ "ترخيص التلفزيون"، لإلهاء الجمهور عن فضيحة تلاحق رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بسبب إقامة حفلات في حديقة داونينغ ستريت خلال فترة الإغلاق، في انتهاك لقواعد كوفيد-19.
في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أثارت تغريدة على حساب "تويتر" لوزيرة الثقافة نادين دوريس، تساؤلات حول مستقبل رسوم الترخيص وعلامات استفهام بشأن استخدامها لعبة تُلعب داخل حزب المحافظين. أكدت دوريس، خلال الفترة ذاتها، أنه سيتم تجميد رسوم الترخيص لمدة عامين، أي أنها ستبقى عند 159 جنيهًا إسترلينيًا سنوياً حتى إبريل/نيسان 2024، وبعد ذلك سترتفع بما يتماشى مع التضخم لمدة أربع سنوات.
وقالت دوريس، في مؤتمر حزب المحافظين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن "بي بي سي "تحتاج إلى "تغيير حقيقي" من أجل تمثيل المملكة المتحدة بأكملها، لافتةً إلى أنها كانت "منارة للعالم"، لكن الأشخاص الموجودين فيها اليوم لديهم خلفية مماثلة وتحيز سياسي معين، ويتحدثون بالطريقة ذاتها.
وكان رئيس الوزراء قد شكّك في جدوى ترتيبات ترخيص "بي بي سي" على المدى الطويل، وكان هناك اقتراحات بإلغاء هذه الرسوم في الوقت المناسب.
تعد رسوم ترخيص البث التلفزيوني السنوي، المصدر الرئيسي لأموال هيئة الإذاعة البريطانية. وعلى الرغم من الاتهامات المنتظمة التي واجهتها الإذاعة بالتحيز من جميع جوانب الطيف السياسي، يُزعم أن مقدمي الأخبار لا يخضعون لتدخل طرف ثالث وهم الأفضل لتقديم المعلومات المحايدة التي تشكل حجر الزاوية للديمقراطية الحديثة. كما يُقال إن الرسوم الإجبارية هي الشرط الأساسي لهيئة الإذاعة البريطانية للحفاظ على استقلاليتها التحريرية.
بدأت الرسوم الإجبارية لترخيص التلفزيون في عام 1946، لكن يحتدم النقاش اليوم بعد مضي خمسة وسبعين عاماً، حول جدواها مع اكتظاظ مشهد البث بالقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية وخدمات البث. ويعد ترخيص التلفزيون مطلبًا إلزاميًا لأي أسرة في المملكة المتحدة تشاهد أو تسجل البرامج على التلفزيون أو الكمبيوتر أو جهاز البث أثناء بثها (البث التلفزيوني المباشر). ويغطي ترخيص تلفزيون واحد جميع أجهزة التلفزيون أو أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة أو أي جهاز يتلقى إشارة تلفزيونية في المنزل. بيد أنّ هذا الترخيص غير مطلوب لمشاهدة أي محتوى يبث بشكل غير مباشر مثل المحتوى المؤرشف على مواقع مشاركة الفيديو. ويعفى من دفع رسوم ترخيص التلفزيون، أولئك الذين يتلقون ائتمان تقاعد أو المسجلون كمكفوفين أو الذين يعيشون في دار رعاية سكنية.
تواجه "بي بي سي" هذه التحديات بسبب التحوّل الكبير الذي شهده العقد الماضي في عادات استخدام الناس لوسائل الإعلام مع تطوّر أجهزة التلفزيون المزودة بالإنترنت. وتنافسها خدمات البث عبر الإنترنت مثل "أمازون برايم" و"ديزني بلاس" و"نتفليكس" التي أخذت حصة في السوق بسرعة. ويتزايد عدد أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا، الذين لا يشاهدون برامج "بي بي سي" ويفضلون مشاهدة "يوتيوب"، حتى باتت "بي بي سي" تحتل حالياً 3 ساعات فقط من كل 10 ساعات يشاهدها الناس. ويرجّح البعض انخفاض هذا الوقت إلى أقل من ساعتين بحلول نهاية العقد. ففي الأشهر الخمسة بين نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ومارس/آذار 2020، قرّر 82 ألف شخص آخر الانسحاب من مشاهدة التلفزيون.
إلى ذلك، تبين أحدث البيانات التي حصلت عليها "ريدفيلد وويلتون ستراتيجيز" (شركة استشارات استراتيجية عالمية) آراء الجمهور بشأن قرار إلغاء رسوم ترخيص التلفزيون عام 2027، ونموذج تمويل هيئة الإذاعة البريطانية بشكل عام. إذ يرى أكثر من نصف البريطانيين (54 بالمائة) الذين شملهم الاستطلاع أن خدمات "بي بي سي" لا تستحق رسوم الترخيص الحالية البالغة 159 جنيهًا إسترلينيًا سنويًا، مقارنة بـ 29 بالمائة ممن يوافقون على أنّها تستحق هذا المبلغ. وبالتالي تؤيد قطاعات كبيرة من الجمهور إلغاء رسوم الترخيص بالكامل، بدلاً من مجرد تجميدها لعدد من السنوات.
وعلى الرغم من أنّ دوريس أوضحت أن قرار إلغاء رسوم الترخيص في غضون خمس سنوات ليس نهائياً، فإن البيانات تظهر أن الدعم لمثل هذا القرار سيكون كبيرًا حيث يؤيد 63 بالمائة من البريطانيين الذين شملهم الاستطلاع بما في ذلك 72 بالمائة من الناخبين المحافظين لعام 2019 و57 بالمائة من الناخبين العماليين لعام 2019، الحكومة لإلغاء رسوم ترخيص هيئة الإذاعة البريطانية في عام 2027، بينما يعارضه 16 بالمائة فقط. ويعتقد 50 بالمائة من البريطانيين بشكل عام أنّه يجب تمويل "بي بي سي"، عن طريق الإعلانات أو الاشتراكات وهو خيار مفضل من قبل كل من الناخبين المحافظين لعام 2019 والناخبين العماليين لعام 2019، على الرغم من أنه أكثر شعبية لدى الحزب الأول 62 بالمائة مقارنة مع الحزب الأخير 41 بالمائة. ظل دعم هذا الخيار مستقرًا نسبيًا وازداد تاييده في شباط/ فبراير وأيار/مايو 2021 ليبلغ 56 بالمائة مقابل تسجيل معارضة 19 بالمائة و18 بالمائة على التوالي.
ومن المرجح أن يحظى إعلان الحكومة الأخير بتأييد بين الناخبين باعتباره نعمة للعديد من الأسر التي تعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة. مع ذلك، فإنّه لن يلغي أو يغطي على المشاكل الحالية التي تواجهها الحكومة. في المقابل، انتقدت "بي بي سي" خطوة الحكومة بتجميد رسوم الترخيص، ووصفها مديرها العام تيم ديفي بأنها "مخيبة للآمال".