ترامب... انتهازية ونفاق حتى اللحظة الأخيرة

08 يناير 2021
تبدل خطاب ترامب إلى مؤيديه من مقتحمي مبنى الكابيتول (شاي هورس/Getty)
+ الخط -

خلال اليومين الماضيين، كشف الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب عن الوجه الحقيقي للسياسي الشعبوي الانتهازي، في إساءة استخدام وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لبث خطابه المتقلب. 

ترامب، الذي تقرأ معظم وسائل الإعلام الرزينة، في بلده وخارجه، تصرفاته تعبيراً عن "اضطراب نرجسي يعكس تلاعب المستبدين بالمشاعر" كما ذهبت "بي تي" الدنماركية اليوم الجمعة، انتقل ببساطة من خطاب "نحن نحبكم... أنتم متميزون" إلى "هجوم شنيع" في وصف التحركات الهوجاء لمؤيديه ومؤيدي نظرية التفوق العرقي الأبيض الذين اقتحموا مبنى الكابيتول الأربعاء.

الرئيس الأميركي خاطب يوم الهجوم جمهوراً مختلطاً من حركات الترويج لنظريات المؤامرة، معبراً لهم عن فخره بهم، ومستعرضاً خطاباً متسامحاً مع مشروعهم الممتد لأسابيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما عرضه لحظر مؤقت من "تويتر" و"لأجل غير مسمى" من "فيسبوك" و"إنستغرام". وقد أصبحت هذه المنصات اليوم تحت مجهر تفضيلها الصمت على الجماعات العنصرية المحرضة على العنف سعياً وراء المال، ومسارعتها لملاحقة من لا يروق لها، كانتقاد الاحتلال الإسرائيلي على سبيل المثال لا الحصر.

وحتى الصحافة الأوروبية، اليوم الجمعة، أشارت إلى أن تلك المنصات تتحمل مسؤولية التسامح "رغم ظهور بعض من اقتحموا الكونغرس على منصاتها مسلحين متوعدين".  ومن المثير أن جمهور اليمين المتطرف تلقى "رسائل إلكترونية للحضور من أجل الثورة"، كما نقلت محطات أميركية وأوروبية عن مواطنة تدعى إليزابيث، حضرت من مينيسوتا خصيصاً "لاستعادة الكونغرس واستكمال الثورة". 

اليوم غيّر ترامب خطابه المفتخر بجماعته المتطرفة، التي طالبها بالتوجه إلى الكونغرس تحت شعار "وقف سرقة الانتخابات"، معتبراً أن ما جرى الأربعاء "أعمال شغب عنيفة". 

ورغم تغييره في لهجته تحت الضغوط الهائلة، ثمة ما يثير في أن نرجسية ترامب تبقى الأصدق في تفوهات مَن تحمله العالم طيلة 4 سنوات، بكل ما حمل من عنصرية وأوصاف لا تليق. فرغم ما يُفهم أنه انتقاد لتصرفات مؤيديه، إلا أنه ظل يكرر الأربعاء تفهماً ضمنياً للاعتداء بقوله: "أعرف ألمكم، أعرف أنكم جرحتم،كانت لدينا انتخابات سرقت منا،كان انتصاراً مزلزلاً (...)، لكن عليكم الآن الذهاب إلى بيوتكم، نحن نحتاج إلى السلام".

وفي كلماته المتلفزة تلك، ألمح ترامب إلى أن خصومه "من تسببوا بذلك". فالرجل، ورغم محاولة ظهوره هادئاً بعد أن عاقبته وسائل التواصل الاجتماعي، كان لا يزال نرجسياً يرمي الأسباب على غيره، رافضاً تحمل مسؤولية أنه حرض على العنف بخطابات نارية. فاقتحام الكونغرس مبرر بسبب "سرقة الانتصار المقدس في الانتخابات"، على ما ذكر ترامب، بكل تفاصيل الغوغائية التي خربت عن قصد مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وسياسيين آخرين.

وللمفارقة، فإن بعض محبي ترامب الذين هجموا على الكونغرس ارتدوا قمصاناً تحمل أحرفاً تختصر جملة "6 ملايين لا يكفون"، في إشارة إلى محرقة النازيين بحق اليهود، هذا إلى جانب رفعهم علم الاحتلال الإسرائيلي، في مشهد صارخ في تناقضه. 

يصعب اليوم ألا تجد صحيفة أوروبية لم تصف ما جرى بـ"محاولة انقلاب بدائية"، وأن ترامب بنفسه كان يعلم ما سيجري، وبالتالي معظم الافتتاحيات ذهبت نحو عدم تصديق أي كلام صادر عنه، وطالب بعضها بإقالته، وبضرورة تحصين أمن البرلمانات ومؤسسات ديمقراطية في أوروبا، وخصوصا في ألمانيا التي أظهر يمينها المتطرف قدرة هائلة على التنظيم.  

في نهاية المطاف، حتى لو اكتشف كثيرون متأخرين حقيقة دونالد ترامب، التي لم تختلف كثيراً عن أنظمة انتقد هو نفسه نظامها الانتخابي في العالم الثالث، فالرجل لن ينتهي كظاهرة على وسائل التواصل الاجتماهي وعلى وسائل الإعلام، فإرث "المؤامرة" و"سرقة الانتخابات" سيظلان يطاردان أيضاً جو بايدن.

ولعل العبارة التالية تكشف أن "الترامبية" (بخلطتها العجيبة) لا يمكن أن تواجه بإغلاق حساب "تويتر" 12 ساعة، فالرجل ختم فجر الجمعة بالقول: "إلى كل المؤيدين الرائعين: أعلم أنكم محبطون، لكن يجب أن تعلموا أيضاً أن رحلتنا المذهلة قد بدأت للتو".

المساهمون