تحيّز الذكاء الاصطناعي: برمجيات لا ترى الأفارقة

01 سبتمبر 2023
المعلومات المتعلقة بالأفارقة يتم تجاهلها أو تحريفها (Getty)
+ الخط -

تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على المُدخلات والمواد نفسها التي تشكل البنية المعلوماتية على شبكة الإنترنت، ولهذا يمكن أن تعكس نتائجها التحيزات العرقية والثقافة السائدة. لو طلبنا مثلاً من أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المخصصة لتوليد الصور أن ينشىء لنا صورة لامرأة جميلة، فمن المرجح أن تعتمد النتيجة التي ستظهر بعد ثوان معدودة على التحيزات الجمالية نفسها التي تسيطر على الفضاء الرقمي.

لا يقتصر الأمر هنا على معايير الجمال فقط، فالنتائج المرتبطة بالثقافات والأعراق يمكن أن تنطوي هي الأخرى على صور منقوصة أو غير دقيقة، أو أن تتبنى الأطر النمطية السائدة نفسها. هذا ما تشير إليه مجموعة الفنانين المشاركين في معرض "غير مرئي" وهو معرض للصور المُخلّقة بواسطة الذكاء الاصطناعي استضافته أخيراً منصة الفنون FERAL FILE على الإنترنت.

يؤكد المشاركون في هذا المعرض على أهمية التمثيل المتنوع في بيانات الذكاء الاصطناعي، فالافتقار إلى التنوع في جمع البيانات يؤدي بالضرورة إلى نتائج منحرفة وغير دقيقة.

تعترف تطبيقات الذكاء الاصطناعي نفسها بأوجه قصورها في فهم الثقافات الأفريقية، فحين واجهت المنسقة السنغالية للمعرض ليندا دنيا تطبيق تشات جي بي تي بهذه التخوفات مستفسرة عن أسبابها، تلقت الرد التالي "إن بيانات التدريب الخاصة بي تتضمن معلومات حول الثقافات والأشخاص السود، لهذا فإن فهمي محدود بالجودة والتنوع والتحيزات الموجودة في هذه البيانات".

الضفائر الصفراء

حين طلبت الفنانة الأميركية ميني أتاريو من منصة ميدجورني Midjourney إنشاء صورة لتوأم متطابق بملامح أفريقية وضفائر، ظهرت لها على الفور صورة للتوأم الذي طلبته. تقول أتاريو إن النتيجة قد تبدو للآخرين جيدة وطبيعية، ولكن لأني من أصول أفريقية أستطيع بسهولة إدراك هذه التحريفات. لقد كانت الضفائر التي تزين رأسِي الفتاتين مموجة وصفراء، وهي لا تشبه الضفائر التي تعرفها أتاريو في محيطها. لم تندهش الفنانة من النتيجة كما تقول، فقد اعتادت على مثل هذه الأمور في حياتها. كفتاة أفريقية تدرك أتاريو أن ثقافتها غالباً ما تكون غير مرئية لمثل هذه البرمجيات. تشارك الفنانة الأميركية بهذه الصورة في المعرض تحت عنوان "دراسة الضفائر الصفراء".

المدينة وسفينة الفضاء

يتضمن المعرض تجارب عملية أخرى مُثيرة خاضها الفنانون المشاركون تؤكد على هذه التحيزات. تتعدد الأمثلة لتشمل تشوهات الوجه والجسم، والافتقار إلى التفاصيل أو التعرف إلى السمات التي تميز الثقافات المحلية الأفريقية، من أنواع الضفائر إلى الملابس، والاعتماد على الصور النمطية الشائعة. من الأمور المعتادة كذلك في هذه التطبيقات افتقارها القدرة على التمييز بين الأعراق المتعددة في أفريقيا. هذا ما تلفت الانتباه إليه ريان النيال في عملها، وهي فنانة ومعمارية سودانية مقيمة في لندن.
في عملها الذي تقدمه تحت عنوان "المدينة وسفينة الفضاء" تتخيل النيال سفينة فضائية تحلق فوق العاصمة السودانية الخرطوم. لم تطلب الفنانة من تطبيق الذكاء الاصطناعي تضمين الصورة أي أشخاص، لأنها تدرك مدى السخف الذي يمكن أن تواجهه. تعلمت الفنانة من طريق التجربة كما تقول أن التمييز بين الملامح والأعراق الأفريقية المختلفة يكاد يكون معدوماً في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وجوه متخيلة

في عمله الخيالي يقدم الفنان الأميركي جاه مجموعة من الوجوه الأفريقية لعالم فضائي متخيل. هذه الوجوه التي يقدمها جاه تنطوي في الغالب على العديد من التحريفات الساذجة والمضحكة. يدرك الفنان أن هذه السمات تعتمد على الصور النمطية للسود، لكنه اعتاد عليها ومضطر للتعامل معها وتوظيفها في عمله.
للمشاركة في هذا المعرض قررت منسقته ليندا دنيا أن تصف لتطبيق ميدجورني صورة دقيقة لمسقط رأسها في السنغال. قدمت دنيا وصفاً تفصيلياً لمنزلها وحيها، والعديد من العناصر المرتبطة بالثقافة المحلية في مدينتها داكار. كانت النتيجة كما تقول الفنانة بعيدة تماماً عن هذا الوصف، أما السبب فقد كانت تعرفه مسبقاً. على الرغم من كون العاصمة السنغالية داكار تعد واحدة من أكبر المدن المزدهرة في أفريقيا، إلا أن الذكاء الاصطناعي يفتقر تماماً لأي معلومات تخص الثقافة المحلية بها. وعلى الرغم كل هذه التحيزات والمغالطات الواضحة، فإن هدف المعرض الرئيسي كما تقول منسقته ليندا دنيا لم يكن إثبات هذه التحيزات، بقدر السعى إلى تدشين مساحة حرة لأصحاب البشرة السوداء للتعبير عن أنفسهم في هذا الفضاء الرقمي الشاسع. في كلمتها المصاحبة للعرض تؤكد دنيا أن أي شخص أسود يستخدم الذكاء الاصطناعي يدرك أن هذه التطبيقات تقدم صورة منقوصة لواقعه، بل هي صورة تتسم أحياناً بالقسوة. ترى منسقة المعرض أن الكثير من المعلومات المتعلقة بالأفارقة يتم تجاهلها أو تحريفها. هذه الحقائق المشوهة غالباً ما تكون أدوات سياسية للإقصاء كما تقول، وهي تتبع الأفارقة مثل ظلهم، ومع ذلك، فإنهم يتوقون إلى أن يكونوا مرئيين، وأن يوفر لهم العالم مساحة لإنسانيتهم وثقافتهم.

معارض حول العالم

يأتي هذا المعرض، في وقت تطرح أسئلة كثيرة حول مستقبل الفنون في ظل سيطرة الذكاء الاصطناعي التدريجي على مختلف مناحي الحياة. إذ تستضيف العواصم الغربية في الوقت الحالي مجموعة من المعارض المختلفة التي تعرض صوراً وأعمالاً مولدة بالذكاء الاصطناعي.

المساهمون