تجويع الفلسطينيين... الإعلام الأميركي لا يُشير إلى المجرم

26 مارس 2024
في رفح (سعيد الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تتفاقم أزمة المجاعة في قطاع غزة، مع تحذيرات من أنها قد تكون الأشد منذ الحرب العالمية الثانية، وتعقيدات بسبب رفض إسرائيل السماح بمرور قوافل الأغذية، مما يزيد من معاناة السكان.
- وسائل الإعلام الرئيسية، خاصة "نيويورك تايمز"، تواجه انتقادات لتغطيتها المتحيزة للأزمة، بتهمة فشلها في تحميل إسرائيل المسؤولية ومحاولة تبرئتها أو التقليل من دورها في تفاقم الوضع.
- الغضب الشعبي ينمو تجاه التغطية الإعلامية الغربية، مع مظاهرات أمام مباني كبرى وسائل الإعلام مثل "نيويورك تايمز" و"بي بي سي"، مطالبين بتغطية أكثر عدالة تسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين والدور الإسرائيلي.

مع مرور كل يوم، تدق صافرات الإنذار بشأن المجاعة في قطاع غزة بصوت أعلى من أي وقت مضى، لكن وسائل الإعلام الرئيسية تواصل إخفاء مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن المجاعة، أو التقليل منها.
قبل بضعة أيام، قال أليكس دي وال، أحد أبرز الخبراء في العالم في مجال الجوع الجماعي، عبر صحيفة ذا غارديان: "نحن على وشك أن نشهد في غزة أشد مجاعة منذ الحرب العالمية الثانية". وهو الباحث الذي أمضى عقوداً في البحث والكتابة عن المجاعة في أجزاء مختلفة من أفريقيا، والمعروف بالصرامة والحذر.
وقال مدير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني: "رغم المأساة التي تتكشف أمام أعيننا، أبلغت إسرائيل الأمم المتحدة بأنها لن تسمح بمرور قوافل أغذية من الوكالة إلى شمال قطاع غزة".
وأضاف لازاريني، في منشور على حسابه عبر "إكس"، أنه "اعتباراً من اليوم (الأحد الماضي) منعت إسرائيل أونروا، التي تعتبر شريان الحياة الرئيسي للاجئي فلسطين، من تقديم المساعدة المنقذة للحياة إلى شمال غزة".

تغطية وسائل الإعلام لشبح المجاعة... "نيويورك تايمز" نموذجاً

لاحظ تحليل لوسائل الإعلام الأميركية نشره موقع "موندويس"، ما وصفه بـ"فشل إعلامي سائد"، و"شامل ومنهجي"، و"يكاد يبدو متعمداً"، يتلخص في رفض وسائل الإعلام إلقاء اللوم على إسرائيل في المجاعة الجماعية التي تلوح في الأفق.
امتد هذا التستر عبر جميع وسائل الإعلام الرئيسية تقريباً. وضرب الموقع مثلاً بصحيفة ذا نيويورك تايمز، التي نشرت تحليلاً طويلاً زعمت فيه أنه يجيب عن سؤال: "لماذا لا تصل المزيد من المساعدات إلى سكان غزة؟".
لكن في الواقع، كان تحليل "نيويورك تايمز" نموذجاً لعدم الأمانة، يقول "موندويس"، الذي اتهمه بأنه "كان المقصود منه تحويل اللوم بعيداً عن إسرائيل". وتعطي "نيويورك تايمز" متحدثاً إسرائيلياً ثلاث فقرات ينفي فيها أن إسرائيل "تمنع تدفق المساعدات". لم تتواصل "نيويورك تايمز" مع منظمات حقوق الإنسان المختلفة التي تتابع الأحداث في قطاع غزة، والتي لطالما أكّدت على أن إسرائيل تتعمد إبطاء شاحنات المساعدات.
علاوة على ذلك، لم يوضح تحليل "ذا نيويورك تايمز" الطويل في أي مكان أن المتطرفين على الجانب الإسرائيلي من الحدود يمنعون أيضاً شاحنات المساعدات من العبور إلى غزة. وتمضي "نيويورك تايمز" قدماً، وتجد طريقة أخرى للتقليل من مسؤولية إسرائيل عن المجاعة: "إن التهديدات المتمثلة في الحشود اليائسة وإطلاق النار الإسرائيلي تجعل نقل الغذاء إلى الناس أمراً خطيراً"، مكررةً تسترها على مذبحة الدقيق التي وقعت في 29 فبراير/ شباط، وراح ضحيتها أكثر من 100 فلسطيني، إذ تستشهد "ذا نيويورك تايمز" أولاً بتفسير إسرائيل بأن معظم الضحايا قضوا نتيجة تدافع، وعندها فقط تقول إنه كان هناك "إطلاق نار من قبل القوات الإسرائيلية".
وفي النهاية، تقول الصحيفة إن وعد الولايات المتحدة ببناء رصيف لتفريغ المساعدات الغذائية والإمدادات الأخرى سيستغرق شهرين، وتشير، من دون تعليق، إلى أن "غزة ليس لديها ميناء فعّال"، من دون ذكر أن الاحتلال هو الذي يمنع ذلك.
وكانت الصحيفة قد نشرت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي "تحقيقاً" عنوانه: "صرخات بلا كلمات: هكذا استخدمت حماس العنف الجنسي سلاحاً في 7 أكتوبر/ تشرين الأول". "التحقيق" افتقر إلى شهادات حقيقية لناجيات من العنف الجنسي المزعوم، إلى جانب بناء كل السردية على شهادات أفراد سبق أن أدلوا بمعلومات كاذبة مرتبطة بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
واقتحم متظاهرون مبنى الصحيفة احتجاجاً على انحيازها لدولة الاحتلال الإسرائيلي في العدوان المستمر على قطاع غزة. 
وتجمّع المتظاهرون أمام مبنى الصحيفة في منطقة مانهاتن في مدينة نيويورك، مرتدين قمصاناً كُتب عليها "الحرية لفلسطين"، ورددوا شعارات تتهم الصحيفة بـ"المشاركة في الإبادة الجماعية في قطاع غزة".

أسلوب متكرّر في الإعلام الأميركي

أسلوب "ذا نيويورك تايمز"، المتمثل في تبرئة إسرائيل، يتكرّر في وسائل إعلام أخرى. على سبيل المثال، نقل برنامج PBS NewsHour إنكار متحدث باسم إسرائيل لإبطاء المساعدات، حتى قبل السماح لمسؤول في يونيسف بتقديم هذا الاتهام.

واتبعت الإذاعة الأميركية العامة قواعد اللعبة نفسها، على الرغم من أنها اتصلت على الأقل بأليكس دي وال للحصول على تقرير.
ووصف "موندويس" شبكة سي أن أن بأنها "أسوأ مذنب"؛ إذ عرضت على نسختها الدولية تقريراً عن سكان غزة الجياع، لكنها لم تورد سوى جملة واحدة تشير إلى أن إسرائيل هي السبب في المجاعة. وقالت "سي أن أن" بالضبط: "إسرائيل متهمة باستخدام التجويع كسلاح في الحرب، وهو ما تنفيه".
ويشير التحليل إلى أنه يُحسب لصحيفة واشنطن بوست أنها كانت استثناءً من حملة تبرئة إسرائيل من تجويع الفلسطينيين في قطاع غزة. ففي 3 مارس/ آذار، قال عنوان رئيسي فيها: "كيف أدت القيود التي تفرضها إسرائيل على المساعدات إلى وضع غزة على حافة المجاعة".

المشاهد غاضب من التغطية الإعلامية

الحالات أعلاه ليست سوى مثال على الدور الدي لعبته وسائل الإعلام الغربية الرئيسية في تسهيل الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة، من خلال إضفاء الشرعية على حملتها العسكرية، والفشل في محاسبة السياسيين الذين يدعمون الهجوم.
فشلت التغطية الإعلامية الغربية في التعامل مع حياة الفلسطينيين والإسرائيليين على أنها ذات قيمة متساوية. كما فشلت في توفير سياق تاريخي مناسب، والتحقق من الروايات الإسرائيلية ومواجهتها.

وحتى خارج أميركا، شهد مقرّ هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تجمعات مستمرة تطالب الهيئة بتغطية عادلة، تُظهر حقيقة ما يحدث في قطاع غزة، وما يعانيه الشعب الفلسطيني هناك من قتل وتهجير وتجويع على يد الاحتلال الإسرائيلي.
وبالعودة إلى صحيفة ذا نيويورك تايمز، تحت التقرير الذي برّأ إسرائيل من المسؤولية عن المجاعة في غزة، سمحت بالتعليقات، والتي بدا واضحاً منها الغضب. 
وجاء في أحد التعليقات: "هناك كثير من الكلمات في هذا المقال التي لا تقول ما هو واضح: إسرائيل تجوّع عمداً هؤلاء الناس وتمنع دخول المساعدات"، وقال تعليق آخر: "هذا المقال لا يُصدق. لقد ذكرت كل وكالة مساعدات، وأعتقد بصدق أن المشكلة في إدخال المساعدات إلى غزة هي إسرائيل".

المساهمون