"تاتامي" إيراني ـ إسرائيلي: إشكالية أخلاقية رغم سينمائيّته

16 سبتمبر 2024
"تاتامي": فيلم رياضي جيد، لكنّ فيه ما يُثير الريبة أخلاقياً (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تعاون تاريخي وإشكاليات أخلاقية:** فيلم "تاتامي" من إخراج إسرائيلي ومخرجة إيرانية، عُرض في مهرجان البندقية السينمائي 2023 ونال إشادات نقدية، لكنه يثير إشكاليات أخلاقية.
- **قصة الفيلم وتوتراته الدرامية:** يحكي قصة مريم غنبري، لاعبة جودو تواجه ضغوطاً حكومية للانسحاب من بطولة لتجنب مواجهة لاعبة إسرائيلية، مستوحى من وقائع حقيقية.
- **الأبعاد السينمائية والرسائل الاجتماعية:** يجمع بين أجواء أفلام "نُوار" والتنافسية الرياضية، ويعكس دراما النساء الإيرانيات، لكنه يثير جدلاً حول التعاون بين فنانة إيرانية ومخرج إسرائيلي.

 

في حدثٍ تاريخي، سياسياً أكثر منه فنياً، أنجز مخرج إسرائيلي ومخرجة وممثلة إيرانية، للمرة الأولى، فيلماً معاً، بقصّةٍ مشدودة ذات بنية رياضية كلاسيكية، لكنْ ذات دلالات عدّة: "تاتامي"، المعروض دولياً للمرة الأولى في الدورة 80 (30 أغسطس/آب ـ 9 سبتمبر/أيلول 2023) لـ"مهرجان البندقية السينمائي"، ونال إشادات نقدية. لكنْ، تحت سطح المديح والألق، هناك إشكاليات أخلاقية كبيرة.

إذا بدأ شخصٌ بالورقة الفنية للفيلم، وفيها إشارة إلى أنّ إنتاجه مشترك بين جورجيا والولايات المتحدة، فسيحار في أمره. صُوِّر جزءٌ كبير منه في تبليسي، عاصمة جورجيا، وهناك منتجون أميركيون. لكنّ "تاتامي"، أساساً، لقاء بين الإيرانية زار أمير إبراهيمي، الفائزة بجائزة أفضل ممثلة في الدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/أيار 2022) لمهرجان "كانّ"، عن "عنكبوت مقدّس" لعلي عبّاسي، والإسرائيلي غاي ناتيف ("غولدا"، 2023)، اللذين صوّرا سرّاً أجزاءً منه في بلديهما.

في "تاتامي"، تظهر زار أمير إبراهيمي مخرجةً للمرة الأولى، وتؤدّي دور مريم غنبري، لاعبة جودو سابقة ومُدرّبة حالية لليلى حسيني (الممثلة التلفزيونية الأميركية الإيرانية أريان ماندي، مسلسل The L Word: Generation Q)، نجمة فريق الجودو للسيدات، المُشاركة عام 2019 في نهائيات كأس العالم المُقامة في تبليسي.

في اجتيازها الجولات التمهيدية، وبينما زوجها نادر (آش غولده) وابنها الصغير أمير، وأفراد عديدون من الأسرة والأصدقاء يهتفون لها أثناء مشاهدة التلفزيون في إيران، تبدأ ليلى إدراك أمرٍ غريب: عملاء حكومة بلدها يراقبونها ويتابعونها ويصوّرونها. عندما تصبح إمكانية مواجهتها لاعبة جودو إسرائيلية أكثر واقعية، يتّخذون إجراءً: عليها ادّعاء الإصابة، والانسحاب من المنافسة. تحاول مريم إقناعها بقبول هذا الإنذار، لكنّ ليلى تتردّد: أتقاوم وتواصل المنافسة، مع احتمال تعرُّض أقاربها لعواقب، وعدم تمكّنها من العودة إلى بلدها أبداً؛ أمْ تطلب المساعدة من مُشرِفَي البطولة (نادين مارشال وجايمي راي نيومان) لتستطيع "الانشقاق" بأمان، وتبقى في الغرب مستقبلاً؟

مستوحى من وقائع حقيقية للملاكمة صدف خادم، وبطلة التايكوندو كيميا علي زاده، اللتين طلبتا اللجوء في فترة منافسة رياضية خارج إيران، وقصة سعيد مولاي، لاعب الجودو الذي تجاهل أوامر السلطات الإيرانية بالانسحاب من بطولة العالم للجودو عام 2019 أيضاً في طوكيو، كي لا يواجه بطل العالم الإسرائيلي ساغي موكي في النهائي؛ يقع نصّ "تاتامي"، في جزئه الأخير، في إغراء الاقتراب من الإدانة بطريقة تخطيطية وواضحة إلى حدّ ما. لكنْ، في جزء كبير من دقائقه الـ105، لا يغدو فيلماً رياضياً مُثيراً، بنبرة خانقة وذروات مجنونة مُصوَّرة بطريقة جيّدة للغاية، بما في ذلك مباريات الجودو، مع تصوير بالأسود والأبيض، واستخدام مُميّز للكاميرا الثابتة لأخذ لقطات متسلسلة طويلة. إضافة إلى ذلك، استخدام المونتاج الموازي بين مباريات ليلى وعملاء الشرطة السرّية الإيرانية يساعد في إضفاء توتّر درامي محمود على القصة.

 

 

الأجواء المزاجية، الشبيهة بأفلام "نُوار"، والتنافسية الحادة، والصراع الدرامي الشديد، والشخصيات المثيرة للتعاطف، عناصر نادراً ما شهدتها السينما الإيرانية أخيراً، أقلّه بهذه الطريقة البارزة والأساسية. "تاتامي" مقطوع من القماش نفسه الذي كانت عليه أفلام "نُوَار" الرياضية الأميركية في خمسينيات القرن الـ20، بدلاً من السينما الأدقّ، إن لم تكن أقلّ تألقاً، للراحل عباس كيارستمي، ومحسن مخملباف وجعفر بناهي، الذي يختلف فيلمه "تسلّل" (2006)، دراما كرة القدم الحماسية، جذرياً، في النبرة والتوجّه الدرامي والنيّة، عن "تاتامي".

يقال كثيراً إنّه، في الأفلام الرياضية الجيّدة ("تاتامي" أحدها بالتأكيد) تتكثّف جوانب عدّة، وفروق وأبعاد دقيقة لجوهر الإنسان. في ملحمة ليلى (ومريم، بدرجة أقلّ)، تكمن دراما آلاف النساء الإيرانيات اليوم. محنة الرياضيين/ات حقيقة لا تُنكر، بينما الوجه الحقيقي للسلطات الإيرانية، الفاسدة والكارهة للنساء، معروفٌ للعالم الآن. بهذا المعنى، وبعيداً عن نقاط بارزة وذكريات ماضٍ تحذف أكثر مما تضيف، يُعدّ "تاتامي" تمريناً جيداً في الأسلوب، وممثّلاً قوياً لسينما النوع، وقصّة نسائية شجاعة تحوي أداءين رائدين رائعين، تُحلّ فيه الاختلافات بالعقل والتضامن، المُعبَّر عنه هنا في الاتحاد بين "عدوين"، لا يُمكن التوفيق بينهما، كما يُفترض: فنانة إيرانية ومخرج إسرائيلي.

إلى ذلك، يمكن لافتراض الشجاعة لدى صنّاع الفيلم أنْ يسبّب تجاهل سياساته الإشكالية، وبالحكم عبر المراجعات الحماسية في الصحافة الناطقة باللغة الإنكليزية، إذْ تغاضى نقّاد غربيون عن هذه الهواجس الأخلاقية الجلية والمتأصّلة بعمق. لكنْ، تظلّ الحقيقة أنّ "تاتامي"، رغم كلّ لحظاته المنمّقة التي تمزّق القلب، وإخلاصه الذي لا يقبل الشك، فيلمٌ ذو جوهر أخلاقي مثير للجدل، يناصر قضية عظيمة على حساب قضية أخرى. ولا عزاء لسذاجة زار أمير إيراهيمي، التي خُيِّل إليها أنّ مقاومة عسف آيات الله وحكم العمائم يمكن أنْ يأتي عبر التعاون مع مخرج إسرائيلي، أو الدعوة إلى التعايش وقبول الآخر، خاصة حين يكون الآخر من دولة سرطانية مجرمة، آخر همّ لها بناء جسور، أو مدّ يد السلام إلى جيرانها.

المساهمون