تابوت مفيد فوزي بين الرفض والقبول

29 ديسمبر 2022
رحل الصحافي المصري الشهير في 4 ديسمبر الحالي (فيسبوك)
+ الخط -

في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم، يتمّ تسجيل وقائع دفن جثمان الإعلامي الراحل مفيد فوزي. الأمر الذي استوقفني وجعلني أفكّر: هل كانت الضجة الإعلامية المرافقة عن قصد أم جهل؟!

انتشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، والسبب تعثّر دخول تابوت الراحل إلى القبر. وقال بعض المغرضين إن هذا عقابٌ للراحل على ما اقترفه من نفاق وكذب وتدليس من أجل منافعه الشخصية، بل وذهب البعض الآخر للقول إنّ هذا عقاب لتطاوله على الشيخ محمد متولي الشعراوي، وتصريحه بفرحته يوم رحل الشعراوي عن دنيانا.

للأسف، فقد تطورت هذه الضجة الإعلامية ليتخذها بعض الجهلاء وضعيفي النفوس مطيةً لتصدير أوهام وخيالات مريضة ابتلي بها مجتمعنا منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن. لكن المشهد واضح ولا يحتاج كلّ هذه الضجة إلّا بغياب كلّ ذي عقل، فقد كان واضحاً أن حجم التابوت أكبر من فتحة القبر. عندها، قام أحدهم بتوسيع القبر كما ظهر في الفيديو وأدخل الجثمان إلى مثواه الأخير.

من الطبيعي أن تختلف وجهات النظر حول شخص مفيد فوزي، فأنا على سبيل المثال أجده من أفضل الإعلاميين، بل وله مواقف إنسانية عايشتها يضيق هذا المقال عن ذكرها. فيما قد يراه البعض الآخر بصورةٍ أخرى، وهذه حرية رأي بالطبع. لكن ما يدعو للقلق والريبة، هو إصرار البعض على أنّ الارتباك الذي رافق مراسم الدفن هو أول علامة من علامات الحساب العسير الذي سيلقاه الراحل. أرجع هؤلاء السبب إلى عدّة نقاط أهمها تصريح لمفيد فوزي يعبّر فيه عن فرحته برحيل الشعراوي، مع العلم أنّ هذا الاتهام غير موثق لا بتسجيل صوتي ولا بمقطع فيديو، فمن أين أتوا بهذا الكلام؟!

أما النقطة الثانية، وهي الأخطر من وجهة نظري، أنّ الراحل من أهل الفن والصحافة الفنية، أي الخلاعة والمجون من وجهة نظرهم. لكن هؤلاء لم ترتفع أصواتهم عندما صرّح الشعراوي بسعادته يوم هزمت مصر في عام 1967، وأنه ركع وسجد شكراً. ألم يجد هؤلاء أنّه لا يصح أن نسعد بهزيمة بلادنا، وأنّ الشماتة لا تصح في دماء شهدائنا التي روت صحراء سيناء ونهشت الغربان أجسادهم الطاهرة في يوم مشؤوم أسود؟!

أمّا الأخطر والأقبح فهو أنهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على تابوت الراحل مفيد فوزي، ولم يعلّقوا بكلمة أمام رغبة الدولة بهدم مقابر قاماتنا الفكرية والأدبية العظيمة بدعوى التوسع والتجديد، قبور يحيى حقي والشاعر أحمد شوقي وعلي بك بهجت مكتشف حفائر الفسطاط، وغيرهم من القامات التي لا تخطئها العين.

يصمت هؤلاء، ولا يتكلمون ويرغون ويزبدون إلّا في حال طفح المجاري لمقبرة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعند سماعهم أخباراً عن خروج الثعابين من مقبرة الفنانة الكبيرة صباح، أو عن أصوات مخيفة خرجت من قبر نوال السعداوي. لكن لن تسمع لهم صوتاً أمام إزالة مقابر رموز مصر العظيمة، كما لو أنّ هؤلاء كانوا أيضاً رجساً من عمل الشيطان.

فجّرت مسألة تابوت مفيد فوزي وأثارت من الأوجاع ما يئن بها عقل مجتمعنا في هذه الآونة الصعبة من تاريخ أمتنا. هذه المرحلة التي يحتدم فيها الصراع بين قوى الظلام والقبح من جهة وقوى الجمال والعقل والتنوير من جهة أخرى. وأنت عزيزي القارئ إلى جانب من تقف وتنحاز؟!

المساهمون