تأجيل معرض "عشرة قرون من الفن الإسلامي" حتى إشعار آخر

26 يناير 2024
في بنسلفانيا (بول ويفر/ Getty)
+ الخط -

"الزخرفة الثمينة: عشرة قرون من الفن الإسلامي"، هو عنوان المعرض الذي أعلن عنه متحف فريك في مدينة بيتسبرغ في الولايات المتحدة الأميركية. متحف فريك بيتسبرغ أحد أهم المتاحف الفنية في ولاية بنسلفانيا، وأسسته هيلين فريك عام 1969، وهي ابنة قطب صناعة الفحم الأميركي، الراحل هنري كلاي فريك.

المعرض الذي كان المتحف قد أعلن عنه قبل أشهر، يسلط الضوء على الفنون الإسلامية الدقيقة، كالأواني الخزفية والزجاجية الملونة والمزخرفة وأعمال الفسيفساء، إلى جانب الزخارف المعدنية والأسلحة والنسيج، وغيرها من الفنون المرتبطة بعناصر الحياة اليومية في العالم العربي والإسلامي. تشمل الأعمال التي يضمها المعرض قطعاً فنية من إيران ومصر والهند وسورية وتركيا. يستحضر المعرض، بحسب البيان المنشور على موقع المتحف، التاريخ الفني الغني للعالم الإسلامي، كنموذج للتجارب الإنسانية الملهمة التي تتجاوز العوائق والحدود.

كان مقرراً لهذا المعرض أن يُفتتح في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل أن تعلن إدارة المتحف تأجيله إلى شهر أغسطس/آب المقبل، في بيان صدر قبل موعد الافتتاح بأسبوعين تقريباً.

كانت الدوافع التي أعلنتها إدارة المتحف وراء تأجيل المعرض تتعلق بإعادة جدولة الأنشطة خلال هذا الموسم، من دون ذكر السبب. ولكن، لم تمض أيام قليلة على إعلان التأجيل، حتى تكشفت الأسباب الحقيقية من ورائه.

في لقاء أجرته إحدى الصحف المحلية مع مديرة المتحف، إليزابيث باركر، أعلنت فيه صراحة أن تأجيل المعرض كان بسبب "الحرب في الشرق الأوسط"؛ أي عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. الحجج التي ساقتها باركر في هذا اللقاء لاتخاذ هذه الخطوة كانت صادمة، ليس للجالية المسلمة فحسب، بل للعديد من المهتمين بنشاط المتحف، إذ صرحت أن إدارة المتحف قد رأت أن إقامة معرض للفنون الإسلامية "في ظل هذه الأحداث لن يكون موفقاً في الوقت الحالي، بل قد يكون مؤلماً للمجتمع اليهودي" في مدينة بيتسبرغ التي يقع فيها المتحف.

على إثر هذه التصريحات، وُجه العديد من الانتقادات لمديرة المتحف وطريقتها في التعامل مع الأمر، واعتبر كثيرون أن تصريحاتها لم تكن موفقة، بل منحازة أيضاً.
اللافت هنا أن اتهام مديرة المتحف بالانحياز قد جاء على لسان آدم هيرتزمان، مسؤول الاتحاد اليهودي في مدينة بيتسبرغ. أعرب هيرتزمان عن دهشته من تصريحات مديرة المتحف، مؤكداً أن العلاقات بين المجتمعين المسلم واليهودي في مدينة بيتسبرغ تتسم بالود والتعاون المشترك طوال تاريخها، وأن مثل هذه التصريحات والآراء من شأنها أن تعكر صفو هذه العلاقات.

لاقت تصريحات مديرة المتحف كذلك انتقادات واسعة من الشخصيات الفاعلة في المدينة، إذ رأوا أن المتحف قد زج بنفسه داخل هذا السجال، من دون أي مبرر.
كرستين محمد، العضوة التنفيذية لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية في ولاية بنسلفانيا، أعربت في تصريح لها عن دهشتها من تأجيل المعرض ورفضها لتصريحات مديرة المتحف. صرحت كرستين محمد أن تأجيل المعرض بحجة الضرر المحتمل للمجتمع اليهودي، يرسخ الصورة النمطية بأن المسلمين أو الفن الإسلامي مرادفون للإرهاب أو معاداة السامية. ووصفت قرار المتحف بأنه يتجاهل التنوع في العالم الإسلامي، ويعد تحريضاً على الكراهية. كما أشارت في بيانها إلى تغاضي المؤسسة عن الصدمة والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني والتعتيم على هذه المأساة، ووصفت ذلك بالافتقار المقلق للتعاطف والإنسانية.

نتيجة لهذه الانتقادات، اضطرت إليزابيث باركر إلى نشر بيان توضيحي تقدم فيه اعتذارها عن هذه التصريحات. أقرت مديرة المتحف بأن قرار تأجيل المعرض قد أضر بالمجتمع الإسلامي واليهودي ومجتمع الفنون على السواء. اعترفت بأن تصريحها قد أعطى انطباعاً خاطئاً تماماً، وقوض الثقة في الأنشطة التي يقيمها متحف فريك. كما اعتبرت أن هذا الأمر يعد فرصة للتعلم من الأخطاء، معربة عن أملها في استعادة الثقة المفقودة نتيجة لهذا القرار الخاطئ.

على الرغم من مشاعر الأسف التي ينطوي عليها هذا البيان، إلا أنه لا يخلو من الانحياز، فبين تفاصيله يبرز الإصرار على وصم حركة المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، من دون ذكر أو إشارة إلى الإبادة والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.

لا يختلف بيان متحف فريك عن غيره من البيانات أو وجهات النظر التي تدعي الحيادية، والتي يتبناها بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية في الغرب. يتعمد عديد من هذه المؤسسات التعامل مع ما أقدمت عليه المقاومة كبداية للصراع والعنف في العالم العربي، وليس نتيجة حتمية لعقود طويلة من الاحتلال والحصار والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. إن تصريحات مديرة متحف فريك المتضاربة، قد لا تدل على حيادية ونزاهة القائمين على متحف فريك، بقدر ما تعكس حالة التخبط التي تسيطر على المؤسسات الفنية والثقافية في الولايات المتحدة نتيجة للضغوط الشعبية المتزايدة والمتعاطفة مع القضية الفلسطينية.

المساهمون