بيكاسو وغوغ وموندريان وإلى جانبهم ستة أصفار

20 مايو 2021
بيعت لوحة فان غوغ بـ103,4 ملايين دولار (فرانس برس)
+ الخط -

في أيام معدودات، خرجت علينا الصحف العالمية بأخبار مختلفة عن بيع لوحات لكبار الفنانين العالميين بأسعار خيالية من ذوات الأصفار الستّة. وكان آخر هذه الصفقات ما وقع في دار كريستيز للمزادات في نيويورك في إبريل/نيسان الماضي، حين بيعت لوحة Le pont de Trinquetaille للفنان الهولندي فنسنت فان غوغ، ولوحة أخرى لبيت موندريان، بأكثر مما كان متوقعًا. فيما نجحت دار كريستيز نفسها يوم الخميس 13 مايو/أيار الجاري في بيع لوحة لبابلو بيكاسو مقابل 103,4 ملايين دولار أميركي، أو ما يعادل 85 مليون يورو.

يبدو، إذاً، أن الأسعار الفلكية لهذه الأعمال الفنية لا تزال تثير لعاب المضاربين في سوق الفن، فلوحة Le pont de Trinquetaille التي رسمها فان غوغ سنة 1888 في آرل جنوب فرنسا، قُدّر سعرها في البداية بين 21 و29 مليون يورو، إلا أنها بيعت مقابل 30.9 مليونًا، ربما لأن اللوحة القادمة من مجموعة خاصة رسمت في واحدة من أكثر فترات حياة فان غوغ إنتاجية، وهي الفترة التي سافر فيها إلى آرل في فبراير/شباط 1888، حين غادر إلى الجنوب باحثًا عن ألوان مختلفة. ووصف اللوحة في رسالة له لاحقًا بأنها: "منظر لنهر الرون وجسر Trinquetaille الحديدي، حيث السماء والنهر في لون الأفسنتين".

أما لوحة بيت موندريان Composition II, with Yellow, Red and Blue والتي تعود إلى عام 1927، فقد بيعت مقابل 21.6 مليون دولار لصالح بنك سويسري. ووفقًا لدار المزاد، تعتبر هذه اللوحة سمة من سمات الأسلوب التجريدي الفريد الذي طوّره موندريان في عشرينيات القرن الماضي، باستخدام العناصر الأساسية للرسم، متمثلة في الخطوط المستقيمة، والألوان الأساسية الثلاثة؛ الأسود والأبيض والرمادي.

بعد هذه الأسعار الخيالية، لم يكن من المدهش أن تصل لوحة للفنان الإسباني بابلو بيكاسو إلى مبلغ 85 مليون يورو، أي أكثر من 100 مليون دولار، خاصة أن السعر الذي قدّرته دار كريستيز للوحة لم يزد في البداية عن 46 مليون دولار، لكن الصراع بين المضاربين كان من الشراسة إلى الحد الذي أوصل سعر اللوحة في غضون 20 دقيقة إلى الضعف، واللوحة المقصودة هنا تحمل عنوان "امرأة تجلس جوار النافذة" Femme assise près d’une fenêtre، وفيها يصور بيكاسو ملهمته ماري تيريز والتر عام 1932 بألوان فاتحة ومشرقة.

المدهش أن اللوحة ذاتها كانت قد بيعت قبل ثماني سنوات في مزاد بلندن مقابل 44.8 مليون يورو، لكنها بسعرها الجديد، تكون قد تفوّقت على خمسة أعمال أخرى لبيكاسو تخطت جميعها ما فوق المئة مليون دولار، وجعلت من بيكاسو ليس فقط أحد أكثر الفنانين تأثيراً في القرن العشرين، بل وأغلاهم سعراً أيضاً، لكن هذا الفارق الكبير في الأسعار يحيلنا أيضاً إلى ملاحظة أخرى، وهي أن صراعات المستثمرين في مجال الفن أصبحت هي السبب الرئيسي في الارتفاع الجنوني في أسعار هذه الأعمال.

ففي الوقت الذي تسببت فيه أزمة كورونا في إلغاء الكثير من الفعاليات والأنشطة الثقافية في بلدان العالم أجمع، نشطت المضاربات في سوق الفن، وهو ما رصدته الصحافية وخبيرة سوق الفن، جورجينا آدم Georgina Adam، في كتابها "الجانب المظلم من الازدهار: فائض سوق الفن في القرن الحادي والعشرين" Dark Side of the Boom: The Excesses of the Art Market in the 21st Century، وتقول فيه: "كانت الإيرادات الضخمة للأعمال الفنية في المزادات بمثابة اتجاه سهل للكثير من المستثمرين لبعض الوقت، ولأن أسعار الفائدة منخفضة في جميع أنحاء العالم، فإن توفير العوائد ظل ضئيلًا، لذا بدأ المستثمرون في البحث عن بدائل، ووجدوها بسهولة في أصول العقارات والأعمال الفنية، وهو ما تسبب في رفع الأسعار في السنوات الأخيرة".

باختصار، أصبح هناك جامعو أعمال فنية أكثر من أي وقت مضى، ولديهم قوة شرائية ليست لها حدود، ما حوّل تداول الأعمال الفنية إلى بورصة مالية، حيث تتحول كل قيمة إلى رقم، وتلمع الأصفار سريعًا في العيون.

المساهمون