يعرّف كتاب "بيروت 360" الصادر حديثًا عن دار قنبز بالشراكة مع "ألو بيروت" عن مضمونه بكلمتين مكملتين للعنوان: "متحف جيب". وتقدمه مخرجة الكتاب، ندين توما، بأنه "متحف للجيب، للذاكرة، كي نستذكر ونتذكّر أننا لا نأتي من فراغ". تستهّل مخرجة متحف الجيب بنصٍّ لشارل حايك عن رسالة من ملك بيروت إلى الفرعون أخناتون: "أنا حقًا خادم للملك، يا سيدي، وموطئ لقدميه. سأحرس مدينة (بيروت) الملك، سيدي، شمسي، روح حياتي، وأسوارها حتى أرى عيون رماة الملك، سيدي...".
وُزّع متحف الجيب مجانًا لزوار "ألو بيروت" في بداية شهر يوليو/تموز. وقبلها بأيام، وزّع على المارة الذين صادف وجودهم أثناء جولة ندين توما بعربة نقل مكشوفة (Pick up)، وهي تنادي عبر المايكروفون وتدعو المارة لاقتناء نسخة من ذاكرة بيروت.
يضم متحف الجيب 624 صفحة من الرسوم والشهادات والصور والخرائط، كلها عن بيروت ولها؛ عن روائحها وأزقتها وذاكرتها وذاكرة سكانها وأهلها وزوارها، وعن تاريخها. متحفٌ ملوّنٌ قصصه قصيرة، بعضها مرسوم وبعضها مكتوب وبعضها الآخر مصوّر. وفيه قصص ملك زوار المتحف؛ مقتني "بيروت 360"، يضيفونها إليه بعد أن ينبش الكتاب المتحف في ذكرياتهم.
في الصفحة الأخيرة من متحف الجيب، تكتب ندين توما، أو "الحائكة" كما تعرّف عن نفسها، في التوقيع: "بيروت 360... متحف الجيب - رحلة تشاركية لا بداية لها ولا نهاية. يأخذها القارئ على هواه، يتوقف، يتأمل، يقرأ ويكمل طريقه". وهذا ما يشعر به من يبدأ بتصفح الكتاب. أي صفحة ستقول لنا أو تُرينا شيئًا بمعزل عما سبقها وما سيتلوها، لكن ليس بمعزل عن بيروت. وبالرغم من أن رحلة المتحف لا بداية لها ولا نهاية، لكن له منهجية واضحة، ليست صعبة ملاحظتها. وقد تكون بوصلة بصرية على الأقل.
يقسم متحف الجيب إلى أربعة فصول: شتاء، وربيع، وخريف وصيف. يسبق كل فصل نصٌ قصيرٌ لندين توما، ليس بالضرورة عن الفصل، إنما عن بيروت: المدينة، الشمس، النهر، الآثار. تسأل ندين توما زائر المتحف: "ما هي ومن هي بيروت لكم؟". سؤال تطرحه على صفحةٍ لونها أحمر ماغانتا، تتكرر أكثر من مرة في كل فصل وعنوانها "أبجدية بيروت" تخصها توما لأحد أحرف الأبجدية، وتختار مفردات تبدأ به ولها علاقة بالمدينة مثل "ذ": ذكرى، وذئب، وذرة، وذروة، "ي": وياسمين، ويمامة، ويا لطيف.
تلي هذه الصفحة نصوص وصور وخرائط ولوحات لمساهمين في متحف الجيب (دلفين أبي راشد دارمنسي، وشارل الحايك، وآن ماري مايلا عفيش، وسارة-ليلى ياسين، والمؤسسة العربية للصورة، ومجموعة أمين باشا فاوندايشن، ومجموعة غاليري صالح بركات، ومجموعة غاليري جانين ربيز، ومحمد طعمة، ومازن حيدر، تجيب عن سؤال المخرجة: "ما هي ومن هي بيروت لكم؟"، من خلال صور لمعالم المدينة وأبنيتها وعمارتها وناسها ومسارحها وزحمة نواديها الليلية، ولوحات عن بحرها ومقاهيها، وخرائط أزقتها، وآثار تاريخها.
صفحات أخرى تتكرر، خاصة بالزهور التي تنتشر في شوارع وأحياء وأسطح أبنية بيروت وشرفاتها، اختارتها سارة-ليلى ياسين وأرشفتها حسب الفصول، وحسب كل شهر من الفصل، وفي أي الأماكن والأحياء تنبت. لعبت ياسين مع الزائر؛ فاستبدلت في أحيان الإرشادات الأربعة المكررة في المتحف "انظر، شمّ، تذوّق، تمشّ"، بلونٍ خصص لكل منها: أصفر، شمّ، تذوّق، تمشّ. استبدلت الكلمة بدائرة لها لون النصيحة: "انظر إلى شجرة التوت الأبيض في فصل الصيف في جلّ البحر"، مستبدلة كلمة "انظر" بدائرة صفراء.
كررت ياسين هذه اللعبة في صفحات "تجوال في بيروت" المنتشرة في متحف الجيب. دلت الزائر على الأماكن والمناطق ونصحته نصيحة من مسافر إلى آخر، مسافر يريد أن يتعرف إلى التجربة كاملة كما يعرفها أهل المكان، ليس السياح، في أسلوب يشبه أسلوب TripAdvisor: "ابحث عن شارع فينيسيا في ميناء الحصن. قف مقابل فندق إكسلسيور تحت ظلال شجرة الفيوكس المهيبة التي تنمو في المسبح المهجور".
صورة غلاف "بيروت 360" بالأبيض والأسود التقطها الفوتوغرافي إبراهيم نجم، تنتمي إلى مجموعة "السباحون"، وتظهر أحد السباحين وهو يقفز في الهواء قبل أن يخترق سطح مياه البحر؛ بحر عين المريسة، بحر بيروت ملاذها.
رغم أن متحف الجيب حافظ على قياس كتب الجيب (15x10.5) إلا ان سماكته (3 سم) ستسمح بالارتجال، واستبدال الجيب بالحقيبة. إلا في حال وجود جيب يتسع لكل هذه الذاكرة، وإن كانت انتقائية. ذاكرة جزء من بيروت وليس كلها، أو "360 جزءا مما نتوق إليه"، كما تقول ندين توما في النص الأول. ذاكرة متحف الجيب المنتقاة تعيدنا إلى إعلانات منتجات معاصرة، لكن بأسلوب فيه استعادة للماضي، وفيه تغنٍّ بأمور عادية أحيطت بكثير من النوستالجيا: "360 منقوشة، 360 فنجان قهوة، 360 كعكة كنافة، 360 تفضلوا البيت بيتكم...".