بيدوفيليون على "إنستغرام"... كل الطرق مسهّلة

08 يونيو 2023
رئيس مرصد ستانفورد للإنترنت أليكس ستاموس (ستيفن مكارثي/Getty)
+ الخط -

منصة إنستغرام، المملوكة لشركة ميتا، تساعد وتروّج لشبكة واسعة من الحسابات التي تكرس نفسها علناً لسمسرة وشراء المحتوى الجنسي الذي يتضمن قاصرين، وفقاً لتحقيقات أجرتها صحيفة وول ستريت جورنال وباحثون في جامعتي ستانفورد وماساتشوستس أمهرست.

لجوء مشتهي الأطفال جنسياً (البيدوفيليين) إلى الإنترنت ليس جديداً، لكن "إنستغرام"، على عكس منتديات أخرى على الشبكة، تقدم خدماتها تحديداً للأشخاص الساعين وراء المحتوى غير القانوني، لا تستضيف فقط هذه الأنشطة، بل إن خوارزمياتها تروج لها. تربط هذه المنصة البيدوفيليين بعضهم ببعض، وتساعدهم في الوصول إلى بائعي المحتوى الجنسي بفضل أنظمة التوصيات التي تعتمدها، وفقاً لما توصلت إليه "وول ستريت جورنال" والباحثون الأكاديميون.

وعلى الرغم من أن هذه الحسابات تبدو بعيدة نسبياً عن أنظار معظم مستخدمي المنصة، فإنها تتسم بوقاحتها الشديدة في التعبير عن اهتماماتها ومساعيها. ووجد الباحثون أن "إنستغرام" تمكّن الأشخاص من البحث عن وسوم صريحة، مثل #pedowhore (عاهرة البيدوفيلي) و#preteensex (جنس ما قبل بلوغ المراهقة)، ثم ترشدهم إلى حسابات تستخدم هذه الوسوم في ترويج وبيع محتوى جنسي يتضمن أطفالاً. بعض هذه الحسابات يُزعم أن أصحابها أنفسهم هم من الأطفال، وتستخدم عبارات جنسية فجة ومربكة.

حسابات "إنستغرام" التي تعرض هذا النوع من المحتوى للبيع لا تنشره علناً، بل توفر "قائمة" بالموجودات. بعض الحسابات تدعو المشترين إلى تحديد ما يريدون مشاهدته. بعض هذه "القوائم" تتضمن أسعاراً لفيديوهات تظهر أطفالاً يؤذون أنفسهم، أو "قاصرين يمارسون الجنس مع حيوانات"، وفقاً لما وجده الباحثون في جامعة ستانفورد. وبالسعر المناسب، يمكن توفير لقاء شخصي مع الأطفال.

الترويج لمحتوى جنسي يتضمن قاصرين ينتهك سياسات "ميتا"، كما ينتهك القانون الفيدرالي الأميركي.

في ردّ من "ميتا" على "وول ستريت جورنال"، أقرّت بوجود مشكلات في عملياتها التنفيذية، وذكرت أنها شكلت فريق عمل داخلياً لمعالجة القضايا المثارة. وصرّحت الشركة: "استغلال الأطفال جريمة مروعة. نحن نستكشف باستمرار طرقاً للتصدي لهذا السلوك". أفادت "ميتا" بأنها حذفت خلال العامين الماضيين 27 شبكة للبيدوفيليين، وبأنها تخطط لمسح المزيد. ومنذ أعلمتها "وول ستريت جورنال" بما توصلت إليها، أكدت أنها حظرت آلاف الوسوم التي تجنسن الأطفال وقيدت أنظمتها لمنعها من التوصية بتواصل أو تفاعل البيدوفيليين بعضهم مع بعض.

ورأى رئيس مرصد ستانفورد للإنترنت وكبير مسؤولي الأمن في "ميتا" حتى عام 2018، أليكس ستاموس، أن السيطرة على إساءة الاستخدام الواضحة من المحتمل أن تتطلب جهداً مستداماً. وقال لـ"وول ستريت جورنال" الأربعاء: "إذا تمكن 3 أكاديميين لديهم موارد محدودة من إيجاد هذه الشبكة الضخمة، فيجب على ميتا أن تدق ناقوس الخطر". وتمنى على الشركة أن تعيد تركيز استثمارها في المشرفين من البشر على المحتوى.

يقدّر عدد مستخدمي "إنستغرام" بأكثر من 1.3 مليار مستخدم، وتحظى بشعبية خاصة بين المراهقين. وجد باحثو جامعة ستانفورد بعض النشاط الاستغلالي الجنسي المشابه على منصات اجتماعية أخرى أصغر، لكنهم قالوا إن المشكلة على "إنستغرام" هي الأشد خطورة. وكتبوا: "يبدو أن أهم منصة لشبكات المشترين والبائعين هي إنستغرام".

من جهة ثانية، زعمت "إنستغرام" أن أبحاثها الداخلية وجدت أن المستخدمين يطلعون على محتوى جنسي يتضمن أطفالاً في أقل من منشور واحد من أصل كل 10 منشورات من هذا النوع.

تركز الجهود التي تبذلها منصات وسائل التواصل الاجتماعي ووكالات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة على مكافحة انتشار الصور ومقاطع الفيديو المؤكدة، والمعروفة باسم مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال (CSAM)، ومن المعروف أنها متداولة. ويحتفظ المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين، وهو منظمة أميركية غير ربحية تعمل مع سلطات إنفاذ القانون، بقاعدة بيانات لبصمات رقمية لمثل هذه الصور ومقاطع الفيديو، ولديه منصة لمشاركة هذه البيانات بين عمالقة الإنترنت. تتحقق خوارزميات الشركات من البصمات الرقمية للصور المنشورة على منصاتها، وترفع تقريراً إلى المركز عند رصدها، كما يقتضي القانون الفيدرالي الأميركي. عام 2022، تلقى المركز 31.9 مليون تقرير عن محتوى جنسي يتضمن أطفالاً، معظمها من شركات الإنترنت، بزيادة نسبتها 47 في المائة عن العامين السابقين.

"ميتا" مع أكثر من 3 مليارات مستخدم عبر تطبيقاتها (واتساب، وفيسبوك، وإنستغرام) قادرة على اكتشاف هذه الأنواع المعروفة من الصور إذا لم تُشفّر. بلغت حصة "ميتا" من إجمالي التقارير الخاصة باستغلال الأطفال التي قدمت إلى المركز 85 في المائة، بما في ذلك نحو 5 ملايين تقرير مخصصة لـ"إنستغرام".

ولكن لا يمكن للفحص الآلي الذي تعتمده "ميتا" حالياً اكتشاف الصور الجديدة أو الجهود المبذولة للإعلان عن بيع المحتوى الجنسي الذي يتضمن الأطفال. لا يتطلب منع مثل هذا النشاط والكشف عنه مراجعة تقارير المستخدمين فحسب، بل يتطلب أيضاً تتبع وتعطيل شبكات الاستغلال الجنسي للأطفال، كما قال موظفون حاليون وسابقون في "ميتا" وكذلك الباحثون في جامعة ستانفورد. الهدف هو تعقيد إمكانية تواصل هؤلاء المستخدمين بعضهم مع بعض، وعثورهم على المحتوى، وتجنيدهم الضحايا.

وجد باحثو جامعة ستانفورد أن "ميتا" واجهت صعوبات في التصدي لهذا النوع من المحتوى أكثر من المنصات الأخرى، بسبب ضعف ميزات "إنستغرام" والتصميم الذي يعزز اكتشاف المحتوى القانوني كما غير القانوني. وجد فريق جامعة ستانفورد 128 حساباً يعرض بيع مواد تتضمن الاعتداء الجنسي على الأطفال على "تويتر"، وهو أقل من ثلث الرقم الذي وجدوه على "إنستغرام" التي لديها قاعدة مستخدمين أكبر بكثير. لكن الفريق اكتشف أن "تويتر" لم توصِ بمثل هذه الحسابات بنفس مستوى "إنستغرام"، كما حذفت هذا النوع من المنشورات بسرعة أكبر بكثير.

خلال السنوات العشرين الماضية، أصبح الاستغلال الجنسي للأطفال من أكبر التحديات التي يواجهها عمالقة التكنولوجيا. وفقاً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، يستخدم المتاجرون بالبشر شبكة الإنترنت كـ"مساحات للصيد الرقمي" تسمح لهم بالوصول إلى الضحايا والزبائن المحتملين على حد سواء، ويستهدف هؤلاء تحديداً الأطفال عبر منصات التواصل الاجتماعي. ووفقاً لمؤسسة مكافحة الاتجار بالبشر غير الربحية Human Trafficking Institute، ومقرها الولايات المتحدة، فإن "فيسبوك" كانت المنصة الأكثر استخداماً من قبل المتاجرين بالبشر لاستهداف الأطفال عام 2020، بنسبة 65 في المائة، تلتها "إنستغرام"، ثم "سناب شات". منذ يناير/ كانون الثاني إلى سبتمبر/ أيلول عام 2022، أبلغت "فيسبوك" عن أكثر من 73.3 مليون منشور يمكن إدراجه تحت خانتي "عري الأطفال والاعتداء الجنسي" و"الاستغلال الجنسي للأطفال". وأبلغت "إنستغرام"، خلال الفترة نفسها، عن 6.1 ملايين منشور عن المحتوى نفسه.

وفي مارس/ آذار الماضي، رفعت صناديق تقاعدية واستثمارية شكوى ضدّ شركة ميتا، تتّهمها فيها بـ"غضّ الطرف" عن أنشطة تجرى عبر منصّتي فيسبوك وإنستغرام، وترتبط بجرائم اتجار بالبشر واستغلال أطفال جنسياً. ووفقاً لنصّ الدعوى، فإنّه "على مدى العقد الماضي، ساعدت منصتا ميتا ودعمتا وسهّلتا عمل المجرمين المسؤولين عن القوادة والاتجار بالبشر وجرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال".

المساهمون