بون جوفي: اللعنة على تلك الدقائق الثماني الطويلة

13 أكتوبر 2020
ربما يبدأ موتنا منذ لحظة ولادتنا، لكننا نستحق أن نعيش حياتنا بينهما (Getty)
+ الخط -

أخيراً، أطلق الممثل ومغني الروك الأميركي، جون بون جوفي، مع فرقته "بون جوفي"، ألبومًا جديدًا هو الخامس عشر في مسيرة الفرقة، حمل عنوان "2020". 

يحتوي هذا الإصدار على عشر أغنيات. قياسًا بعنوان الألبوم، يحاورنا بون جوفي عبر نقاط عديدة شكلت أبرز أحداث العام الجاري، ولا سيما تلك المتعلقة بالشأن الداخلي  للولايات المتحدة الأميركية، أهمها فيروس كورونا، ومقتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد، والاحتجاجات التي عقبت هذه الحادثة في عدد من الولايات، وما تبعها من أعمال عنف وقمع من قبل أفراد الشرطة تجاه المتظاهرين. هذه المسائل، إضافة إلى قضايا أخرى، كالسلام والحب والأمل، التي ساهمت في كسر النمطية الآيلة أمام الريثم العام للألبوم، إلى جانب تكوين خصوصية سياسية فاضحة، فأخرجتها من هامشيتها، وفرضت نفسها، بفضل أنغام الروك الشجية؛ فكانت مذراةً تفصل الفن عن السياسة، وتسمح لهواجس بون جوفي الأخلاقية بالارتقاء نحو هدف الألبوم ورسالته بنشر التفاؤل والمبادرات الإيجابية. 

في تلك المسائل المتعلقة بجائحة كورونا، يصور لنا بن جوفي من خلال فيديو كليب do what you can في نسخته الأولى الصادر قبل نحو شهرين، مظاهر الحياة بشكلها الحالي، بعد أن نسف كورونا شكل الحياة التقليدية. فكان تصويره، الرافض لهذا الواقع الجديد، دقيقًا ووافيًا، يصف فيه الجهود الطبية والعزلة الاجتماعية، وأشكال التواصل المقيدة. للّحن سطوته في تطويع المشاهد المصورة في الأغنية وتوجيهها نحو مشاعر مشبعة بالطاقة والحيوية والتحدي. أما النسخة الثانية من الفيديو، نشهد حضورًا مشتركًا بين بون جوفي ومغنية الكانتري الأميركي جينفر نيتلس. وهو التعاون الثاني لنيتلس مع الفرقة من بعد أغنية who says you can’t go home الصادرة عام 2009. 

يفرد بون جوفي مساحة خاصة ينتقد فيها مظاهر العنف عامة، والاعتداء العرقي على المواطنين الأفروأميركيين خاصة، من قبل الأجهزة الأمنية، وذلك من خلال أغنية lower the flag. الإيقاع في هذه الأغنية يتحكم بالمسار العاطفي والشعري. ألحان هادئة تتماشى مع السوداوية المسيطرة على معظم مقاطع الأغنية: "يصعب النوم في هذه الأيام، ماذا لو كان من تحبه ملقى على الأرض"، إلا أنها لا تنفي بعض التفاؤل: "ربما يبدأ موتنا منذ لحظة ولادتنا، لكننا نستحق أن نعيش حياتنا بينهما".

يستمر الخطاب ذاته ويتوجه بشكل مباشر في أغنية american reckoning للتعبير عن تضامن شخصي للفرقة مع  المواطن الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد الذي قتل في الخامس والعشرين من شهر مايو/ أيار الماضي على يد أفراد من الشرطة في مدينة مينيابوليس. هذا التضامن جاء متناسقًا حتى مع اللحن. إيقاع خافت يكاد يختفي فيه صوت الغيتار والطبول. الكلمات وحدها يسمع صوتها: "لعنة الله على تلك الدقائق الثماني الطويلة، وجهه للأسفل على الأرض وهو مكبل بالأصفاد، يتوسل المارة من أجل الرحمة". تتدخل آلة الهارمونيكا وتكسر ازدراء المغني منتصف الأغنية، لتمنح الانتقال العاطفي بعدًا متحديًا يلفظه المقطع الأخير: "هذا هو الحساب الأميركي، لقد كتب بالدم، أو بالحب، أو بالسلام".

مشاعر التحدي ينقلها لنا بون جوفي في أكثر من أغنية، ويركز من خلال ألحانها على توثيق هذه المشاعر ونسجها مع نغمات الجيتار الصاخبة لتعطي دفقًا وفيرًا من الطاقة والحيوية. مثلًا في أغنية limitless يتاح لآلتي الغيتار والدرامز حرية أكبر وفق إيقاعات سريعة تغذيها شعرية محفزة: "حاول أن تجعل رأسك فوق الماء، لا تغرق"، وكذلك في beautiful drug التي تتغنى بمشاعر الحب وكماليته التي لا حدود لها ولا شكل يقيدها. هذه الرؤية الحالمة لا تكتمل بنظر بون جوفي دون الآباء، وهو ما يفسره في أغنية story of love التي وصمت بطابع قصصي أكثر منه غنائيا على وتيرة إيقاعية بطيئة وهادئة.

تصل مشاعر الأمل والتفاؤل والمحبة عند جون بون جوفي، إلى ذروتها، في أغنية let it rain. تموج إيقاعاتها بين صاخبة وسلسلة تعكس الحالة الشعرية: "من يستطيع أن يوقف المطر عن التساقط؟ حيثما يوجد جندي لن يتخلى عن القتال، أينما كان هناك ظلام يحاول العثور على ضوء، حيثما يوجد ضرر هناك شفاء في الطريق، مثل شمس مشرقة تخترق يومًا غائمًا".

اللافت أن هذه الأغنية ما هي إلا نسخة معدّلة عن النسخة الأصلية التي قدمها التينور الايطالي الراحل لوتشيانو بافاروتي وتحمل نفس العنوان. وإن كانت تختلف إيقاعاتها كليًا عن الأولى، فهي أكثر هدوءًا وحسية، إلا إنها تدعم التوجه الإنساني العالمي المشترك بينهما.

تقول في أحد مقاطعها: "الطفل هو مجرد علامة من الله على أن السلام والمحبة، بذور لنمو المستقبل ـ لقد جربنا الحرب، ولا أحد يريد السلام أكثر من الأطفال". وقد قدم بافاروتي هذه الأغنية عام 1993 بالتعاون مع جون بون جوفي في واحدة من سلسلة حفلات خيرية قادها بافاروتي، تحت عنوان pavarotti & friends.

المساهمون