احتفالاً بمناسبتين اثنتين، لا علاقة لإحداهما بالأخرى، يُنظّم "نادٍ لكلّ الناس" (بيروت) تظاهرة سينمائية، يُراد منها تأكيد إضافي على الاهتمام الذي يكنّه النادي لأسماء سينمائية لبنانية أساساً. إذ ما الرابط بين ذكرى مرور 30 عاماً على وفاة المخرج اللبناني مارون بغدادي (21 يناير/كانون الثاني 1950 ـ 10 ديسمبر/كانون الأول 1993)، وذكرى مرور ربع قرن على تأسيس النادي؟ والبرنامج: ألا يطغى عليه احتفالٌ ببغدادي، بينما لكلّ مناسبة "حقّ" في أن يُحتفَل بها بشكل مستقلّ، مع التنبّه إلى اختلافٍ كبير في تجربة كلّ صاحب ذكرى؟
يُقام الاحتفال في أمكنة متفرّقة وقليلة في بيروت، بين 11 و15 ديسمبر/كانون الأول 2023. البرنامج تقليدي، والأسماء يتكرّر حضورها (أو حضور معظمها، على الأقلّ) في مناسبات كهذه، رغم أهميتها الفكرية والثقافية والأدبية، وبعضها الأقلّ له ارتباطٌ وثيق ومباشر بالفنّ السابع. فبدلاً من بحثٍ جدّي عن أسماء شابّة تهتمّ بالسينما أولاً، ولها شغفٌ بسينما لبنانية مختلفة، ومارون بغدادي أحد أبرز المساهمين في إيجادها، في مرحلة أولى، للمشاركة كتابةً ونقاشاً؛ يستسهل منظّمو الاحتفال تنظيم لقاءات مُكرّرة، مع وجوه مُكرّرة، "صداقتها" مع بغدادي كفيلةٌ بدعوتها إلى قول أشياء، "ربما" لن يكون فيها أي جديد. البحث عن شبابٍ لقول شيءٍ، لا بُدّ أن يكون جديداً ومختلفاً، "عملٌ شاقّ" بالنسبة إلى من يستسهل تنظيم احتفالاتٍ لها بريق السينما، بينما التكرار والروتين طاغيان.
طبعاً، بحثٌ كهذا وتحضير كذاك يحتاجان إلى وقت. أما المال، فموجودٌ غالباً، رغم ادّعاءات كثيرة، من مؤسّسات كثيرة، عكس ذلك. أليس مُفيداً سؤال هادي زكّاك، المخرج والباحث والأستاذ الجامعي (أحد المشاركين في الاحتفال هذا) عن طلبةٍ جادّين، يُمكن الركون إليهم ـ إليهنّ في تقديم قراءات جديدة ومختلفة؟ أليس مُفيداً التواصل مع باحثين ـ باحثات، في بيروت وغيرها (وهذا غير صعبٍ البتة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي)، للطلب منهم ـ منهنّ تقديم أكثر من بحثٍ لإصداره في كتابٍ، ولقراءة ملخّص عنه في ندوة، وهذا أفضل وأهمّ وأكثر تجديداً، وإن يتطلّب ذلك دفع بدل مالي، فهذا أقلّ ما يجب فعله، بدلاً من الاتّكاء على مشاركة مجّانية لكثيرين وكثيرات، بحجّة "حبّ السينما"، و"حبّ مارون بغدادي"؟ أم أنّ الاحتفال "مُرفقٌ"، هذا المرة، مع بدل مالي لمشاركين، لا توجد بينهم مُشارِكة واحدة، باستثناء ليلى حاوي، "منفِّذة" معرض صُور عن أبرز مراحل حياة بغدادي؟
لا علاقة لهذا بالمدعوّين أنفسهم إلى الاحتفال لإلقاء كلامٍ، أتمنّى ألاّ يكون مُتوقّعاً ومُكرّراً، رغم صعوبة عدم التوقّع وعدم التكرار. إنّها ملاحظات تتعلّق ببعض من يُنظِّم احتفالاتٍ كهذه. إذ تُلحّ كثيراً ضرورة إيجاد مرتكزات جديدة للاحتفالات هذه، تتحرّر من ثقل الروتين والكلام الذي يميل إلى العام غالباً. مُلحٌّ إشراك شبابٍ، من لبنان والعالم العربي مثلاً، وهناك من يعرف بغدادي وأفلامه وسينماه، إن يكن يُحبّها أم لا، فهذا رأي، ولكلّ منا رأي يُناقَش؛ وبعض الشباب باحثٌ في الجامعة، غير مكتفٍ بإخراج أو تصوير أو تقنيات فقط. وإن لم يكن هناك شبابٌ كهؤلاء، فالمصيبة أعظم، إذ تحلّ (المصيبة) على نظام جامعي أكاديمي باهتٍ، خاصة بالنسبة إلى مؤسّسات قديمة.
أما بخصوص النسخ المُمرمَّمة والمُرقمنة، فلهذا كلامٌ نقدي آخر أيضاً.
(*) البرنامج
11/ 12/ 2023: معرض صور، فيلم قصير بعنوان "مخرج عند حدود الواقع" لمروان خنيصر، تحية بصرية بعين بغدادي لجريدة "السفير" اللبنانية، كلمات لإبراهيم العريس وحسن نعماني و"أصدقاء مارون". يتخلّل اليوم الأول (بدءاً من 6 مساء) افتتاح المكتبة السينمائية لـ"نادي لكلّ الناس"، وإصدار "السينما البديلة" (ملتقى جريدة "السفير").
12/ 12/ 2023: ندوة حول سينما بغدادي، بمشاركة حسن داود وفؤاد نعيم وفواز طرابلسي، بإدارة ربيع الشامي (6 ـ 7 ونص مساء)؛ عرض أول لـ"كلنا للوطن"، النسخة الكاملة، 80 دقيقة (ملتقى جريدة "السفير").
13/ 13/ 2023: "نتابع المسيرة" (56 دقيقة)، تقديم هادي زكاك (مسرح "بيريت"، الجامعة اليسوعية).
14/ 12/ 2023: "همسات" (93 دقيقة)، نسخة مرقمنة، بحضور نبيل إسماعيل (متحف سرسق).
15/ 12/ 2023): عرض أول لـ"الرجل المحجب" (93 دقيقة)، نسخة مرمّمة، بحضور فؤاد نعيم (متحف سرسق).