بشار زرقان: الطقس والتمرّد والأسئلة

18 مارس 2022
لستُ مغنياً صوفياً (فيسبوك)
+ الخط -

يجمع الفنان السوري بشار زرقان أزمنة شعرية مختلفة في ألبومه الجديد "أن أراك". يتضمن العمل ست قصائد لكلّ من السهروردي وابن الفارض والحلاج وأبو نواس وهاني نديم. في حديث إلى "العربي الجديد"، يشير زرقان إلى أنّ الألحان التي وضعها لتلك القصائد جمعت هؤلاء الشعراء، وجعلت حضور قصائدهم كأغنيات معاصرة ممكناً، يضيف: "ما من شك إذا تعمقنا في جوهر هذه القصائد، سنجد شيئين مهمين، يتمثلان بـ: الحب والسؤال. وهما الهدف المشترك الذي انتمى إليه الشعراء لحظة الكتابة. وهذا ما كنت دائماً أبحث عنه في القصيدة، ليُغني جُملي الموسيقية ويكون لها معنى عند المستمع".

زرقان، الذي أطلق أخيراً الأغنية التي حملت عنوان الألبوم "أن أراك"، من كلمات الشاعر السوري هاني نديم، وضع خطة تسويقية لطرح الأغنيات تباعاً. يقول: "أغني في الألبوم أيضاً للسهروردي قصيدتي تحن إليكم، ويا مليحاً، ولابن الفارض زدني، ولأبي نواس أنت لا تدري، وللحلاج كانت لقلبي. وستصدر الشهر المقبل أغنيتان من الألبوم، والشهر الذي يليه ستصدر الأغنيات الثلاث المتبقية، إذ يُتاح للمستمع الوقت للتفاعل. وبالتأكيد سأؤدي جميع الأغنيات في حفلاتي المقبلة التي ستتوزع بين بعض المدن العربية والأوروبية".

قبل أكثر من 20 عاماً، لحن زرقان وأدّى قصيدة "الجدارية" لمحمود درويش. في هذا السياق، يقول إنّه يفكر في المستقبل القريب بتقديم عمل جديد من أشعار الراحل محمود درويش.


ويعلن أنّ رغبته ما زالت حاضرة للعودة إلى المسرح الذي انطلق منه ممثلاً ومغنياً: "المسرح هو فضائي الذي تنتمي إليه أغنياتي، كما في أغانٍ مثل قلبي يُحدثني أو ته دلالاً أو حلاج الوقت. وفي تجاربي المسرحية السابقة، أفدت من معرفة تحرير الأغنية من قوالبها، لكن في عميق تجربتي نهلت كثيراً من طقوس الحضرة والذكر التي كان يحييها أهالي حي باب السلام الذي كنت أقطن فيه، في قلب دمشق القديمة، والتي كان يحضرها كل أهالي الحي، نساءً ورجالاً وأطفالاً. وكانت هذه الطقوس محطة مهمة بالنسبة لي، لما كانت تحمله من أجواء مسرحية وغناء جماعي، وفرجة وألوان وبخور وإيقاعات جذّابة. وما زالت آثارها حاضرة في مخيلتي السمعية والبصرية حتى هذه اللحظة". يضيف زرقان: "كانت طريقة السرد في التعبير عن هذه المشهدية غنيّة جداً في تنوعها، على الرغم من حالة الخوف والرهبة التي أصابتني حينذاك كطفل".

ينفي زرقان أن يكون مغنياً صوفياً أو ملتزماً، ضمن التصنيفات التي يحددها الناس، بناءً على اللون الموسيقي الذي يستمعون إليه: "في التجارب الغنائية والموسيقية، نجد أن الناس يشعرون بالراحة حين توضع هذه التجارب ضمن إطار ليسهل عليهم التركيز وتصنيفها لاحقاً. لكنّها، في الحقيقة، تجارب الشباب الموسيقية هي التي تصنع تصنفيها وتسحب انتباه عشاقها، لأنها نتيجة تجارب سابقة. لكن في العالم العربي نقوم بزج التجارب حسب مرجعين، جاد أو صوفي، وهذا ما يجعل التجربة الموسيقية تبتعد عن ماهيتها، فبعض الناس يرى أغنياتي على أنها صوفية، والبعض الآخر يرى أنّها أغانٍ ملتزمة، لكنّني شخصياً لا أراها بهذه الصورة أو تلك".

يُعرّف زرقان مشروعه الموسيقي بالفضاء الجديد: "أحاول في معظم القصائد التي لحنتها لمتصوفين كبار، مثل الحلاج وابن الفارض وغيرهما، أن أُلبس الموسيقى لهذه القصائد، لأنّها من وحي الواقع، تتنفس كل عذابات وقهر وفرح الناس، لذا أحاول أن أصنع أغنية معاصرة يتداولها الناس، وأن أُأَنْسِنها إن صح التعبير، وهذا ما يشابه قصيدة قلبي يحدثني لابن الفارض أو عن حالِ حالي لأحمد الشهاوي".
عن الطريقة التي يميز بها زرقان نفسه فنياً، يشير إلى مشروعه الطويل الذي يسعى فيه إلى أنسنة النص الصوفي، ويحوله إلى أغنية معاصرة تتخذ أشكالاً عديدة، وليس شكلاً واحداً: "لطالما كنت أبحث عن نصوص تكمن في مفرداتها الشعرية، دلالات جديدة على اختلاف زمانها، سواء إن كانت لمحمود درويش أم للحلاج وسواهما، فالدلالات التي تحملها القصيدة لا تتغير، وهي الإيقاع والموسيقى والطقس والتمرد والأسئلة".

يضيف: "هذه نصوص شعرية تطرح أسئلة وتسحبك إلى مناخ الردّ أو الإجابة، وكلّ هذه الدلالات تُحفّزني لأكون على مستوى النص، وتعطيني القدرة على تفكيكه وإعادة بنائه موسيقياً".
يؤمن زرقان بأنّ الموسيقى والغناء هما الحلّ والسند القوي للروح والعقل، وليسا جسوراً لتفاعل الشعوب في الحب والحياة والفقر والنجاة والنعيم والمأساة فقط، بل موطن المحبة لبناء التواصل الروحي والفكري والإنساني على هذا الكوكب، فالموسيقى تتوالد لتتحد ومن ثم تنفصل لتتحد من جديد، في سيرورة أبدية لن تتوقف إلّا مع توقف الحياة.

المساهمون