استمع إلى الملخص
- رؤية الذوادي للسينما والتجارة: يعتبر الأعمال الدعائية جزءًا من "البيزنس" ويستخدمها لدعم صناعة الأفلام التي يحلم بها، رافضًا تصنيف الأفلام إلى تجارية وفنية، مؤكدًا أن السينما تسعى لتحقيق الربح.
- التحديات المعاصرة للسينما: يعبر عن قلقه من تأثير المنصات الرقمية على السينما التقليدية وانتقاد انتشار الأفلام القصيرة، مؤكدًا على أهمية التعليم والتدريب للمخرجين الشباب لضمان جودة الإنتاج.
بسام الذوادي مخرج أول فيلم روائي بحريني طويل، "الحاجز" (1990)، و"أهم فيلم بحريني" في تصنيفات نقدية: "حكاية بحرينية (2006). حالياً، يعمل على مشروعين: الأول مسلسل لصالح قناة سعودية، والثاني سينمائي يُشارك في إخراجه السعودية هناء العمير والإماراتي نواف الجناحي.
هنا، الحلقة الثانية والأخيرة من حوار "العربي الجديد" معه:
(*) ما شعورك وأنت تصنع أفلاماً ترويجية دعائية؟
يحضرني الشعور فقط أثناء صنع الأفلام. الأعمال الدعائية أعتبرها "بيزنس"، ولا أفكّر فيها، ولا أنظر إليها من ناحية الشعور.
(*) أأنت متصالح مع نفسك، أم أنّك تحاكمها؟
أحاكم نفسي فقط أثناء صنع فيلمي، فأعيش مليون صراع.
(*) تاركوفسكي تحدّث عن خيانة النفس والاستجابة إلى مقاييس السوق والجمهور، قائلاً إنّه إذا خان نفسه مرة واحدة فستتكرّر الخيانة مرّات، وربما إلى الأبد.
الخيانة تكون في الفيلم. لكنْ، في العمل التجاري هناك أناس طلبوا منّي تنفيذ مهمة في مقابل مال.
(*) ألا تعتبر أنّ هذه أعمال عطّلتك عن مشوارك الحقيقي في السينما؟
كلا، لأنّها ساعدتني على الاستمرار، وإخراج أعمال أخرى.
(*) إذاً أنت تنتهج أسلوب المخرج الهندي ساتياجيت راي، الذي مثّل في أفلام تجارية ليحصل على مال يُخرج به أفلاماً فنية يحلم بها.
نعم. لكنْ، لا يوجد شيء اسمه فيلم تجاري.
(*) طبعاً هناك توصيف فيلم تجاري. لكنْ، ما وجهة نظرك؟ هل تقصد السينما المستقلّة أو "آرت هاوس" أو ماذا؟
(يقاطعني بحدّة): لا يوجد شيء من هذا أو ذاك. توقّفوا عن ترديد هذه المسميات. هناك فقط سينما. لو عملتِ فيلم "آرت هاوس"، ألا تريدين عرضه للجمهور؟ هذا أيضا تجارة. هناك سينما ضعيفة، أو سينما (يتردّد قليلاً) لا أريد قول "هابطة". السينما إمّا ضعيفة أو قوية. في النهاية، هذا ذوقٌ شخصي.
(*) لكنْ، هناك معيار للتقييم. أم أنّك منحاز إلى رأي يقول بعدم وجود معيار؟
نحن نتعامل مع الفيلم على أنّه منتج، أكان "اللمبي" مع محمد سعد أو "جنة الشياطين" لأسامة فوزي. في النهاية، الأفلام مُنتج. إنّها سلعة.
(*) أنت مع تسليع الفن؟
كلّ فنان يُريد لفيلمه النجاح والربح. الاثنان تجارة، لكن لكلّ منهما ذوق.
(*) هذا الطرح الذي تُقدّمه يُثير نقاشاً. لكنّ المؤكّد أنْ هناك فرقاً بين الاثنين: هناك شخص هدفه الأساسي التجارة والربح الكبير الشعبوي، وهناك من يريد تحقيق ربح، لكنّ الأساس ليس التجارة بل حلم آخر أهم، ريما يكون القيمة أو الفنّ بحدّ ذاته، ولا شكّ أنّه يريد تحقيق ربح لمواصلة إنجاز أعمال فنية.
صدّقيني، جميعهم يريدون الربح. يوسف شاهين وآخرون. الشعب كلّه يرغب في تحقيق مكاسب.
(*) شخصياً لا أنكر أنّي أريد الربح، وأعرف جيداً طريق المكسب السريع. لكنْ ليس هذا ما أريده.
(بأسلوب المُدرّس الآمر الناهي): لا تُعطي شكلاً للمكسب. المكسب مكسب. الفنّ ليس مهمّاً. كتبك ليست مهمّة. المهم أنْ أعيش. عندي مسؤوليات، ومصاريف الحياة، وغيرها. أنا مسؤول عن بيت، وأولاد وزوجة. أنا ملتزم توفير الطعام يومياً. هذا التزام ثابت لا أستطيع الانفصال فيه. ثم يجب أنْ تتوقّفوا عن ترديد هذه المسميات. السينما سينما وفقط. لا بُدّ أنْ تعرفي شيئاً: الآن، لا يوجد سينما.
(*) غير صحيح. أحضر مهرجانات دولية، وأشاهد أفلاماً في صالات أوروبية وأميركية، والجمهور يحضر بشكل رائع. "كارلوفي فاري" نموذج، و"فينيسيا" نموذج آخر، والـ"برليناله" أيضاً.
(لحظة صمت قبل الردّ): المنصات تقتل السينما. المنصات تتعمّد ذلك، صدّقيني. ما السينما؟ لماذا أذهب إلى الصالات؟ أخبريني.
(*) لا أدري لماذا تذهب أنت، لكنّي أعرف لماذا أذهب أنا. هل تقصد فعل المُشاهدة الجماعية؟
لا. الصالة مبنى نشاهد فيه الفيلم. المنصات تُريد قتل المبنى. تريدنا مشاهدة الفيلم في التلفاز، أو على شاشةٍ في البيت. مارتن سكورسيزي طلب وقتاً لعرض الفيلم في الصالات، فمنحوه ستة أسابيع فقط.
(*) أعتقد أنّ الأمر يشبه ظهور أي تقنية جديدة تسحب البساط قليلاً من الوسائط التي سبقتها. لكن هذا لا يعني بالضرورة القتل. الأمر نفسه قيل عن المسرح عند ظهور السينما. المنصات لا تريد قتل الصالة، لكنّها تريد جذب الجمهور. إذاً، على أصحاب الصالات القتال من أجل البقاء. تجربة كورونا أثبتت اشتياق الناس إلى الخروج الجماعي، وتمضية الأمسيات في الصالات.
لا أعرف إلى أي مدى ستصمد الصالات. طبعاً، كما قلت، لا يوجد شيء اسمه سينما. هناك فيلم، لكنّ السينما صالة.
(*) السينما مصطلح يطلق على فنّ السينما. هناك أنواع سينمائية: سينما المؤلّف، سينما الدوغما، سينما مستقلّة، سينما إيرانية أو إيطالية أو غيرها. المبنى يُعرف بأنّه صالة سينمائية. الأنواع الفيلمية أنواع سينمائية.
(بغضب مكتوم ساخر): أنتم النقّاد أطلقتم هذه الألفاظ والمصطلحات.
(*) هذا ليس عيباً. لك حق قول رأيك، وللنقاد حق التعبير عن أفكارهم ورؤيتهم.
أنواع الفيلم تاريخي، سياسي، استعراض. لكنْ، ليس هناك فيلم جماهيري أو فني.
(*) للأنواع مستويات. هذا يعتمد على ما تريد قوله في نوع ما. مثلاً: نماذج الأفلام التي تعرضها "سينما زاوية" في القاهرة تنتمي إلى الـ"آرت هاوس". عادة، هذه أفلام لا تعرضها الصالات السائدة.
كلا. كلا. لكنّها سينما. لا يمكن تصنيف فيلمٍ بأنّه تحرّك ضد الثقافة. أنتم تريدون للمخرج أو المنتج أنْ يخسر؟ ثم هناك عشرات الناس الآن يصوّرون بالموبايل ما يوصف بفيلم سينما، ومن يُصوّر يصف نفسه بأنّه مخرج سينمائي. كيف هذا؟
(*) أولاً، أنا لم أقل أبداً إنّ العمل التجاري "تحرّك ضد الثقافة". لكنْ، هناك مستويات من القيمة الفنية، كما أنّ هناك فيلماً سينمائياً وآخر تلفزيونياً، فكيف أساوي بينهما...
(يقاطعني): هل تعرفين الفرق بين الفيلمين التلفزيوني والسينمائي؟
(*) أعرف. لكنّي لا أقصد وسيلة الإنتاج. صار متعارفاً عليه استخدامُ فيلمٍ تلفزيوني للإشارة إلى انخفاض قيمة العمل الفني، وافتقاده اللغة السينمائية في صدقية الإيقاع ورسم الشخصيات والميتافور والمباشرة في الطرح، وصولاً إلى الخطابة. عامة، دعنا لا نقف عند الألفاظ والمسميات، وأنّ اللغة كائن حي ينمو ويتطوّر وفق العصر. مع ذلك، المهم جوهر المعنى. لكنْ، عندما تشاهد فيلماً على الموبايل، هل تنفي عنه سينمائيته؟
ما دام عُرض في الصالة، لا.
(*) هناك آلاف الأفلام صُوّرت بالديجيتال، وأخرى بالموبايل، ومع ذلك لم تُعرض في الصالات لسببٍ أو لآخر. هذا بتقديري لا ينفي عنها أنّها سينمائية، ما دامت أنّها تسلّحت بلغة هذا الفن السابع.
"إنّي لا أكذب لكنّي أتجمل" فيلم تلفزيوني عُرض في الصالة (إنتاج تلفزيوني). أقول للشباب: لصنع فيلم سينمائي، لا بُدّ من الاشتغال بجدّية، لأنّ بعضهم يعرض أفلاماً قصيرة على يوتيوب أو منصّة أو على أي وسيلة تواصل اجتماعي، ويقول إنّ هذا فيلم سينمائي. للقول إنّه سينمائي، لا بُدّ من عرضه في الصالة. أصبح عدد هؤلاء كبيراً جداً. يدّعون أنّهم مخرجون سينمائيون، وهم بلا دراسة ولا علم. أيضاً، هناك مشكلة الأفلام القصيرة، التي شجّع عليها مسعود أمر الله منذ "مسابقة أفلام من الإمارات": لا يُمكن للمخرج عرضه، والفيلم غير قادر على تحقيق دَخْلٍ لصاحبه.
(*) هذه الإشكالبة في الوطن العربي، لكنْ في الخارج ينجح الفيلم القصير في أنْ يُدرّ دخلاً غير هيّن لصاحبه.
الخارج موضوع آخر.
(*) للفيلم القصير جمهور. عروض "مهرجان القاهرة" أثبتت ذلك، وأغلب المنصات والقنوات التي تعرضه تفعل ذلك مجاناً، بعكس ما يحدث في أوروبا. سؤالي: ألا تعتبر الفيلم القصير سينما؟
بالنسبة إليّ، خسرت مخرجين كثيرين بسبب اتّجاههم إلى صناعة الفيلم القصير. أنا غير مؤمن به. ما يهمّني الآن أنْ أقدّم دورات في حقوق الملكية الفكرية للمخرجين الشباب.