بروباجندا طفولاتنا المظلومة

18 يوليو 2014
أحنّ إلى الطفولة، رغم أنّها كانت مليئة بالبروباجندا !
+ الخط -
هناك معتقدات لطالما سرقت حيّزا كبيرا من طفولتنا، وخلقت حواجز شوك كادت تسلبنا حقّنا في اللعب. ولكننا في تلك المرحلة لم نكن نعرف سوى المرح. والسؤال الأكبر الذي يجول في خاطر أذكانا: ما هي اللعبة التي سنتفاجأ بها في "السحبة"؟

هواجس كثيرة رافقتنا منها: أبو كيس تحت الفراش في غرفة النوم، الرعب المنزلي الذي كانت تهدّدني به أمي، البرازيل دائما تربح المونديال، تلك الأعلام الحزبية التي كانت، وما زالت، تغطّي شرفات شارعنا، الشيطان قد يلحس الطعام إذا وقع على الأرض، عبارة "لمّا كنت كبير" التي نعكس بها دورة الزمن، ابن المعلّمة في الصف الذي نكرهه دوما، لأنّنا نظنّ أنّه يعرف أجوبة الامتحان، وفقط "أبو محمد" صاحب الدكان في حيّنا يربح الجوائز التي تقدّمها شركات المشروبات الغازية وأكياس البطاطا التشيبس.

من يصنع في رؤوسنا هذه البروباجندا؟ كيف نقتنع بها؟ أسئلة لم نحصل على أجوبة لها حتّى الآن. صديقي علي، زميل المدرسة وجاري، استشهد في الجنوب، ولم يعرف فعلا هل كلمة "البوكيمون" عبرية أم لا. استشهد قبل أن ينظّف رأسه، ورأسي، من "فبركات" الطفولة وروايات الأحزاب وشائعات العائلات.
من يخترع هذه الأكاذيب؟ وكيف تنتشر؟ كل ما أذكره أنّ شغفنا بلعب كرة القدم جعلنا نخترع قواعد "لا أساس لها من الفيفا". كأن نلعب بحارس مشترك إذا كان عددنا مفردا. وإذا مللنا اللعب نروح نجمع أغطية قناني المشروبات الغازية، ونضعها على الأرض ونجهد في محاولة قلبها باستعمال الخنصر فقط.

اليوم أين طفولتنا؟ الجنود البلاستيك الذين كنّا نلعب بهم باتوا حقيقيين وأرسلتهم الأنظمة ليقتلونا ويقتلوا الثوّار. لعبة "الغمّيضة"، حين كنا نختبئ لنتسلّى، باتت كابوسا. صرنا نختبىء لئلا نموت. أو صار "الزعران" يخطفون أحدنا ليطلبوا فدية. "غمّيضة" الكبار مؤذية. حتّى لعبة "بيت بيوت" طوّرها من كانوا أطفالا ذات يوم، وصار اسمها "اغتصاب".
بين عبقري ومشاغب في الصف أختار أن أكون المشاغب. ليس الخاطف أو المغتصب أو حامل الرشّاش. أحن إلى الشغب الطفولي الذي لا يؤذي. أفضلّ أن أكون رساما لا مقاتلاً.. أحنّ إلى الطفولة، رغم أنّها كانت مليئة بالبروباجندا. ​
المساهمون