- مهرجان برلين السينمائي الدولي شهد انسحابات واحتجاجات، وتعرض لتهديدات بحجب الدعم المستقبلي، كما تم استبعاد منسقي أغاني وإلغاء عروض مسرحية تنتقد الاحتلال الإسرائيلي.
- تحولت برلين من منارة للحرية الإبداعية إلى مكان يسوده الترهيب والقيود على حرية التعبير، مما أثار قلق الفنانين حول مستقبل المدينة كعاصمة فنية وصعوبة في الحفاظ على مكانتها كمركز ثقافي دولي.
انقلب المشهد الفني في ألمانيا رأساً على عقب، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة؛ بات الصوت الفلسطيني مقموعاً أكثر من أي وقت مضى في العاصمة برلين على الخصوص، حيث تلغى الجوائز والمؤتمرات والعروض. ورُبط بين تمويل المشاريع الفنية والآراء حول ما يجري في قطاع غزة ضد الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال، ما بات يعرّض برلين لخطر فقدان مكانتها كعاصمة ثقافية دولية، معروفة بتنوّعها وغنى مشهدها الثقافي.
ثقافة برلين في أزمة
مهرجان برلين السينمائي الدولي كان مثالاً واضحاً على الأزمة التي يشهدها الوسط الفني في برلين؛ إذ عرف هذا العام انسحابات واحتجاجات. وبعد حفل اختتامه، الذي دعا فيه فائزون عديدون إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أصدر المسؤولون الفيدراليون والدوليون تهديدات بحجب الدعم المستقبلي عن المهرجان الضخم.
مهرجان برلين ليس المثال الوحيد. استُبعد منسقو الأغاني من النوادي بعد نشر تصريحات تنتقد العدوان الإسرائيلي وجرائمه ووحشيته بحق الشعب الفلسطيني. وأحياناً استبعدوا فقط لأنهم عبّروا عن دعم معتدل لحياة الفلسطينيين، كما تُشير صحيفة ذا نيويورك تايمز. في هذا السياق، ألغى مسرح مكسيم غوركي، أحد أشهر دور العرض في برلين، مسرحية حائزة على جوائز، تتناول القضية الفلسطينية وتوجّه انتقادات إلى دولة الاحتلال، ما دفع مثقفين وفنانين إلى إلغاء عروضهم في المسرح بدورهم.
وفي صالات عرض معهد KW للفن المعاصر، وهو مركز بارز للمشهد الفني في برلين، بات نحّاتون يرفضون عرض منحوتاتهم احتجاجاً على القيود المفروضة على التعبير الداعم للفلسطينيين.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، اقترحت حكومة ولاية برلين بند تمويل جديد يتطلب من الحاصلين على المنح التوقيع على وثيقة تعارض "أي شكل من أشكال معاداة السامية"، واستخدمت تعريفاً أدرج انتقادات معينة للسياسة الإسرائيلية على أنها معادية للسامية، ثم سُحب الاقتراح بعدما احتج الفنانون.
من الحرية إلى الترهيب
في الماضي، كانت برلين منارة للفن بالنسبة لقارّة أوروبا، وحتى للعالم، لكن لا تزال مسؤولية البلاد عن المحرقة اليهودية توجّه القطاع الثقافي، إذ تُواصل المؤسسات الألمانية الإصرار على محاسبة نفسها على أخطاء الماضي ومحاولة التكفير، ما وفّر استمرار مناخ داعم بقوة لدولة الاحتلال، وقيوداً صارمة على الانتقادات الموجهة ضدها.
نتيجة لهذا المناخ والسياق التاريخي، خالف الفنانون في ألمانيا نهج نظرائهم حول العالم، الذين وقّعوا العرائض ونادوا على السجادات الحمراء والمنصات، وعلى الجدران والمتاحف والمهرجانات، بالوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة. في المقابل، لو حدث ذلك في ألمانيا، فسيكون مصير الفنان إلغاء عروضه وخسارة تمويله، كما ستوجّه له اتهامات بمعاداة السامية، وهي تهمة أشد وطأة في ألمانيا مقارنة مع دول أخرى، خصوصاً أنها باتت تُستخدم عشوائياً للنيل من أي فنان، بضغط من اللوبي الصهيوني.
ويدق الفنانون والمثقفون ناقوس الخطر. تنقل "نيويورك تايمز" عن الفنانة الموسيقية، بيتشز، أن المؤسّسات المجازِفة قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أصبحت الآن خائفة خلال الحرب، خصوصاً وسط التهديدات بقطع التمويل. ونقلت عن مدير المتحف الوطني الجديد في ألمانيا، كلاوس بيسنباخ، أن "هذا القلق يجعل من الصعب علينا العمل على المستوى الدولي، وجذب أفضل المواهب على أعلى مستوى، والجمع بين جماهير متنوعة".
وبالنسبة إلى فنانين عديدين، بخاصة الأجانب الذين استقروا في برلين كمنارة للحرية الإبداعية والوفرة الثقافية، فإن بقاء المدينة كعاصمة فنية أصبح موضع شك، أو ربما انتهى بالفعل. تنقل الصحيفة عن الفنان الصيني المعارض، آي ويوي، أن "برلين، من وجهة نظري ليست مكاناً يمكن للفنانين أن يبدعوا فيه بحُريّة. كلما سمعت عن فرض مسؤولي الحكومة الألمانية قيوداً على حرية التعبير للفنانين أشعر باليأس".