أمست برامج الحوارات الفنية الرائجة اليوم في العالم العربي حشواً من الكليشيهات والابتذال العاطفي المُتبادل بين الضيف والمُضيف، إذ ترددت عبارات في كل حوار، تقريباً، من قبيل "أرجوك أوقف الأسئلة"، أو نجد أن ضيفاً قد أغرق نفسه والاستوديو والمشاهدين بدموعه.
وبات تنامي المنصّات الإلكترونية البديلة، ومواقع التواصل الاجتماعي، الحاكم بأمر الحوار أو اللقاء الفنّي الذي يثبت يوماً بعد يوم أنه خرج من طور التقليدية، وتحول إلى مجرد طرح استفزازي.
لا يمكن لوم المحاور فقط. الفنان أيضاً مسؤول عن اختياره وقبوله بالحوار، وترك الهواء مفتوحاً على مزاج المحاور، والبحث عن سبق "شخصي" ربما لا يهم المشاهد بالدرجة الأولى، لكنه يشكل تحولاً في الحلقة، خصوصاً لو دخل الطرح أو السؤال منطقة "التابوهات"، ومنها مواقف الضيف المتعلقة بالسياسة، والدين، والمال، وقضايا التحرش.
حلت الممثلة السورية شكران مُرتجى ضيفة على برنامج تقدمه قناة الجديد اللبنانية، وظهرت بثوب من الخوف، لا يقل عن حزنها الداخلي بسبب رحيل والدتها قبل أشهر قليلة.
ناقضت شكران مرتجى نفسها في المقدمة المفتوحة التي قرأتها، وتحدثت عن حزنها وألمها لفقدان والدتها، لتعود وتفرض على مقدم البرنامج عدم الدخول في حياتها الشخصية لجهة بعض الأسئلة، وما يمكن أن يحمله ذلك من تأويلات وتداعيات، دفعت مرتجى ثمناً لها في حوارات فنية سابقة، كرأيها أو تفضيلها لممثلة دون أخرى، وحصر الجواب بممثلة واحدة، وتهميش الإجابة إن حاولت القول لماذا اختارت هذه عوضاً عن تلك. وهذا ما سيُفضي إلى أزمة أو مشكلة تتناقل أصداءها مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً لجهة الردود والردود المضادة.
في التسعينيات، حاولت المقدمة المصرية وفاء الكيلاني، العمل وفق هذا الخط القائم على أسئلة "مُستفزة"، ممكن أن تثير جدلاً في الصحافة. لم يكن هناك مواقع للتواصل الاجتماعي وتبادل الآراء. كان الهدف تناول الصحافة الفنية الأسبوعية لما عرض ضمن الحلقة، أو التعليق على إجابات الضيوف. استمر خط وفاء الكيلاني ضمن هذه الوجهة، التي استغلتها في معظم برامجها وعلى أكثر من محطة فضائية، لكنها تحولت مع الوقت إلى عادة لا يمكن أن يستفيد منها المشاهد إلا على سبيل تناول الإجابات أو التعليق عليها، كنوع من الحوار الساخر القائم بين الضيف والمحاور.
هكذا يُبنى اتجاه برامج الحوارات الفنية اليوم من على المنصات، وهو أمر أصبح مألوفاً، ولو اتخذ أحياناً صورة العدوانية في طريقة طرح السؤال ومناقشة الضيف، ما يؤثر على حضور الفنان بالدرجة الأولى، ومحاولة انقلاب على مكسب يكاد يحققه في الحلقة، فيخونه التعبير ويتحول إلى ضحية الأسئلة والإعداد التلفزيوني القائم على القشور، وقلة توظيف شهرة النجم لصالح إنجاح البرنامج.
يمكن القول إن هذا النوع من البرامج بات مطلوباً مع ازدياد عدد المنصّات الخاصة بالترفيه أو الفنون، لكن يمكن أن يتحول إلى مادة هادفة تحمل مزيداً من الثقافة الفنية التي يحتاجها المتلقي، بعيداً عن كل هذا الإسفاف.