بدر دحلان الغزّي الذي صرخ وقال: كابوس

23 يونيو 2024
لا يعلم بدر دحلان أين أهله ولا إن كانوا أحياء أم هجّروا (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدر دحلان، الشاب الغزي، وصف تجربته بالأسر والتعذيب على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنها "كابوس"، مسلطًا الضوء على الظروف القاسية في سجون الاحتلال والتي تشمل منع الوصول إلى المحامين وتطبيق تعديلات قانونية تسمح باحتجاز أطول.
- الأثر النفسي والجسدي العميق للتعذيب على دحلان يطرح تساؤلات أخلاقية حول التعامل مع الناجين، مع تمثيله للانتهاكات الشديدة لحقوق الإنسان في سجون الاحتلال.
- الخلط بين صورة دحلان والصحفي قصي سالم يبرز تحديات النزاهة الصحافية وأهمية التحقق من المعلومات لضمان عدم نسيان الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد الغزيين.

ما مِن كلمات تصف حال بدر دحلان، الشاب الغزي الذي أسره جيش الاحتلال الإسرائيلي، ثم أطلق سراحه بعد شهر من التعذيب، إذ يمكن اختصار التجربة بما قاله دحلان نفسه، ولخّصه بكلمة واحدة: "كابوس".

لا نعلم ماذا يدور في سجون الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في ظلّ منع المحامين ومنظمات حقوق الإنسان من زيارة الأسرى، والتعديلات القانونية التي تتيح لإسرائيل احتجاز الأسرى لفترات أطول، إضافة إلى التعرية والإذلال وضروب القمع والقهر التي لا نقرأ عنها سوى في شهادات من نجوا وأفرج عنهم.

الحال الذي ظهر فيه بدر دحلان، يكشف أن السجون نفسها امتداد للاحتلال، بوصفها مساحات تعذيب ممنوعة عن "الخارج". السابع من أكتوبر/تشرين الأول كشف أن كل مؤسسات "دولة" إسرائيل، في لحظة الحرب تتحول إلى مؤسسات حربية، الجيش والصحيفة والسجن والمشفى... كلها تلعب دوراً في ترسيخ إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

بدر دحلان ونظراته، وذلك الذهول والرّعب الباديان على وجهه، وكلماته المتقطعة، كلّها إشارات تكشف أننا أمام جريمة صارخة، وانتهاك شديد لحقوق الإنسان. لكن، ألم يتكرر هذا الكلام منذ السابع من أكتوبر، بل منذ أكثر من 70 عاماً؟ دحلان دخل المعتقل الإسرائيلي وخرج فاقداً لكلماته حتى، وهذا بالضبط هدف الإبادة، القضاء على الذاكرة، والكلمات التي توثق ما جرى، مقدار الصدمة مهول. مع ذلك، يتحدّث دحلان وإن كان مُتلعثماً، ثم يتأمل بعيداً. لا يمكن تجاهل الضغط النفسي الذي يخضع له حتى بعد الإفراج عنه. ونحن أمام سؤال أخلاقي: أنمهله بعض الوقت ليتعافى؟ أم نوجه الكاميرات تجاه عينيه الجاحظتين؟

تخون اللغة صاحبها عند الحديث عن الألم الشديد أو الصدمة الشديدة، بل اللغة نفسها تقف عاجزة، إذ نقرأ في الأخبار المتداولة عنه وصف "فقد عقله". الكلمة هنا تحيل إلى الشخص نفسه، بدر دحلان، وكأنه هو ذاته صاحب العقل وهو مَن أضاعه. خيانة اللغة هذه تتكشّف أمام العنف الشديد، فبسبب قسوة عبارة "فقد عقله" وعدم صوابيتها، لا بدّ من الإشارة إلى الفاعل، أي ماكينة القتل والاحتلال الإسرائيلي، هي التي تضرب العقل مجازاً وحقيقةً. في الوقت نفسه، اللغة تختزل معاني أبلغ، حتى في أقصى أشكالها قسوة، ككلمة "تعذيب"، التي نؤكد مضارعتها، لا ماضيها، فالمضارع يدل أيضاً على الاستمرار في الزمن، وهذا بالضبط حال بدر دحلان والآلاف غيره... تعذيب مستمر في الزمن لكسر العزيمة وفك عقال الوعي. مع ذلك، تحدث بدر، حدّق في الكاميرا وقال لنا: "كابوس".

كشف موقع مسبار للتحقق من المعلومات الصحافية، أن صورة بدر دحلان المتداولة قبل الأسر ليست له، بل للصحافي قصي سالم، لكن قصي استشهد ضحية قصف جيش الاحتلال. نحن أمام صورتين إذن؛ قتيل وناج من القتل، النزاهة الصحافية تتطلب منا أن نشير إلى الحقيقة، لكن وضع الصورتين إحداها بجانب الأخرى يدفع إلى التأمل، وكأننا أمام مصائر موحدة للغزيين، إما قتلى وإما ناجون من القتل.

لا يعلم بدر أين أهله، ولا إن كانوا أحياء أم هجّروا. يتأمل بعيداً في مصيره بينما يحملق في الكاميرا والأطباء يطهرون جروحه. السؤال الأهم، كيف يبحث عن أهله، هل هم أحياء؟ في المشفى؟ قتلى تحت الركام؟ مهجّرون؟ لا نعلم، لكن اليقين أن لدى بدر المزيد مما سيقوله، ليس لأجل القانون الدولي أو المحاسبة وغيرها، بل لأجلنا نحن، كي لا ننسى.

لا نعلم ما هي الصور والشهادات التي يجب بثها حتى يتغير الوضع... صور الدمار والقتل وصلت إلى المحاكم الدولية، وإلى الآن القتل ما يزال مستمراً، وكذلك التعذيب في السجون. الواضح أن الآلية القانونية والدولية التقليدية لا تُجدي نفعاً. ربما، لهذا السبب تضطرب نظرات بدر ويتأمل في الفراغ. ما الذي يمكن القيام به؟ هل من صورة أو شهادة كافية لوضع حد للمقتلة؟ ما العمل أمام "الكابوس" الذي يعيشه الغزيون؟

المساهمون