بازوليني في عيده المائة... فنان إيطالي شامل قضى في ظروف غامضة

08 مارس 2022
بازوليني: "إثارة الفضيحة حق. الشعور بالصدمة لذة" (Getty)
+ الخط -

ترك بيير باولو بازوليني بصمات لافتة في مجالات متعددة، من الشعر إلى الكتابة مروراً بالسينما والمسرح والصحافة والنقد الفني، فيما لا يزال اغتيال هذا المبدع الإيطالي الذي احتفل بمئوية ميلاده الأولى، السبت الماضي، لغزاً عصياً على الحل بعد نحو نصف قرن على الحادثة.

ترك بازوليني إرثاً كبيراً مطبوعاً بالتزامه السياسي ذي التوجهات الماركسية. وقال صديقه ألبرتو مورافيا، خلال تشييعه الرسمي في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1975، بعد ثلاثة أيام على وفاته: "فقدنا قبل كلّ شيء شاعراً، والشعراء ليسوا بكثر في العالم".

وخلال نشاط فني استمر زهاء عقدين، أثار بازوليني الذي طالما قورن بجان كوكتو أو جان جينيه جدلاً قوياً بمواجهة النقاد البرجوازيين والرقابة الممارسة من الكنيسة وتهديد الفاشيين الجدد. وأثمرت أعماله في الشعر والنثر والمسرح والسينما ومقالاته الكثيرة نتاجاً قاتماً يتساءل فيه عن معنى الحداثة في إيطاليا الضاربة في القدم والفتيّة في آن.

وكانت إيطاليا في تلك الحقبة بلداً ريفياً بدرجة كبيرة، لكنها بدأت تكتشف يومها أوجه الحضارة الجديدة مع انتشار الأجهزة الكهربائية المنزلية والتلفزيون والسيارات الفردية، في مقابل استشراء مشكلات اجتماعية مثل البطالة والعشوائيات.

من معرض لأعمال بازوليني في مدينة بولونيا الإيطالية (روبرتو سيرّا/ Getty)

وقال بازوليني بلسان بطل فيلمه الأول Accattone الذي أخرجه سنة 1961، ويتناول "المعجزة الاقتصادية" الإيطالية من وجهة نظر المهمشين من هذه المنظومة: "لينكولن ألغى العبودية، إيطاليا أعادتها". وقالت صديقته الكاتبة الإيطالية داشيا مارايني التي شاركت معه في كتابة سيناريو فيلم "ألف ليلة وليلة" سنة 1974: "بحث طوال حياته عن عالم قديم يشبه ما كان عليه الوضع ما قبل الثورة الصناعية والعولمة، عالم ريفي كان يراه بريئاً".

كان بازوليني يحظى بشهرة لا بأس بها في بلده بفضل دواوينه الشعرية المتنوعة عندما طارت شهرته في الخارج بفضل السينما. فمن الواقعية (Accattone وMamma Roma) إلى الاقتباس الرمزي (من أدباء تاريخيين مثل بوكاتشي وسوفوكليس وماركي دو ساد)، أخرج بازوليني 23 فيلماً كان آخرها Salo o le 120 giornate di Sodoma سنة 1975، وقد صدر بعد وفاته. كذلك وقّع على أفلام أخرى معروفة بينها Il Vangelo secondo Matteo سنة 1964 الذي حاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان البندقية السينمائي، وTeorema سنة 1968، وMedea سنة 1969 مع ماريا كالاس، فضلاً عن Il decameron الفائز في مهرجان برلين سنة 1971.

وقدم بازوليني سلسلة روايات بينها Ragazzi di vita وUna vita violenta، ليختتم مسيرته في الكتابة الروائية مع قصة لم يتسن له إنهاؤها عنوانها Petrolio. ويشاع أنّ معلومات تضمنها فصل قيل إنّه ضائع تسببت بمقتله، وفق نظرية من بين نظريات كثيرة.

وفي مقابلته التلفزيونية الأخيرة، في 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 1975 في باريس، لخص بازوليني جزءاً من عقيدته في الحياة قائلاً: "إثارة الفضيحة حق. الشعور بالصدمة لذة".

من معرض لأعمال بازوليني في مدينة بولونيا الإيطالية (روبرتو سيرّا/ Getty)

قُتل بازوليني ليل 1-2 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1975، على شاطئ أوستيا قرب روما. وكانت إيطاليا تعيش حينها فترة اضطرابات سياسية واجتماعية عُرفت بـ"سنوات الرصاص"، تخللتها سلسلة اغتيالات واعتداءات هزت البلاد لأعوام طويلة. وأفضى التحقيق في الجريمة إلى إدانة شخص وحيد في العام التالي هو بينو بيلوزي، العامل في الدعارة البالغ 17 عاماً. وأكد بيلوزي أنّه تشاجر مع بازوليني لأنّه استاء منه بسبب رفضه إقامة علاقة معه. لكنّه غيّر بعد سنوات هذه الرواية التي لم تقنع أحداً في إيطاليا.

وما زال الغموض يكتنف الاغتيال، من دون إمكان الجزم بالدوافع، سواء أكانت جريمة ارتكبها منحرفون فرديون أم أنّه اغتيال بدوافع سياسية ومافياوية، أم الفرضيتين معاً ربما. وقال الكاتب الفرنسي رينيه دو سيكاتي، وهو كاتب سيرة بازوليني ومترجم أعماله، إنّ "ثمة تفسيرين متزامنين عن مقتله، أحدهما يصوره شهيداً بما يتماهى مع روح أشعاره والجانب القاتم والانتحاري في بعض نصوصه، والثاني أنّها جريمة سياسية".

وتقام فعاليات تكريمية عدة لذكرى بازوليني خلال الأشهر المقبلة، في إيطاليا والخارج. وتشهد لوس أنجليس حدثاً استعادياً لأفلامه يستمر حتى 12 مارس/ آذار، بفضل شراكة بين "تشينيتشيتا" و"أكاديمية متحف الصور المتحركة".

(فرانس برس)

المساهمون