"باربنهايمر" والعودة إلى ذهنية المنع

18 اغسطس 2023
أثار الفيلمان منذ صدورهما ضجة كبيرة (فاليري ماكون/ فرانس برس)
+ الخط -

"باربنهايمر"، هو دمج لاسمي فيلمين هما: "أوبنهايمر" و"باربي"، اللذان صاحبتهما دعاية ضخمة، لعلها الأضخم في تاريخ السينما العالمية.

وكذلك حصد الفيلمان إيرادات ضخمة، فتجاوز "باربي" حاجز المليار دولار، فيما وصل "أوبنهايمر" إلى أكثر من نصف مليار دولار حول العالم حتّى الآن.

صحيح أن حملة دعايتهما الضخمة كانت موضع استفزاز للبعض، وصحيح أن الآراء اختلفت وتباينت في تقييمهما، رغم الحفاوة الكبيرة التي قوبلا بها، ولكن الصحيح أيضاً أنهما مثلا حجر زاوية في عودة السينما الحقيقية.

ومع فورة هذا النجاح، سمعنا أن فيلم "أوبنهايمر" منع في اليابان، بدعوى أنه غير مستحب تذكير الشعب الياباني بذكرى ناغازاكي وهيروشيما.

وبنفس الوقت ذكرت كثير من الأخبار منع فيلم "باربي" في أكثر من بلد عربي، مع الكثير من الانتقادات للفيلم بأنّه "يقدم السم في العسل"، ويهدف إلى "التفسخ والتحلل"، و"إعلاء القيم النسوية".

في كلتا الحالين تعددت الأسباب والموت واحد، فأصل الداء ما زال موجوداً، الأمر الذي يذكرنا بنحو أو بآخر برواية جورج أورويل الشهيرة "1984"، وفيها نقد اجتماعي سياسي للمجتمعات الشمولية التي تديرها عقول النظام، أو كما يسميه أورويل "الأخ الأكبر"، الذي يراقبك، ويعد عليك أنفاسك، ويقرر مصيرك بالنيابة عنك، فأنت في حالة منع متصلة إلّا ممّا يسمح به الأخ الكبير.

المنطق نفسه ينطبق على وضعنا اليوم، ويتم تبريره بـ"أننا أعفيناك من المشاهدة نيابة عنك، لأننا نعرف مسبقا وقع هذه الأفكار الهدامة عليك". هكذا دونما أن يكون لك، أي المشاهد، أيّ رأي في تقرير مصيرك تجاه فيلم مجرد فيلم.

لكن، يمتلك المشاهد، أي مشاهد، حسه الفطري في الإعجاب بالفيلم من عدمه، فنحن ننسى أهم ضلع في مسألة الفرجة، وهو المشاهد وإرادته وذوقه الفني الجمالي.

فأرجوكم لا تعبثوا وتدافعوا عن المشاهد، واتركوا له حق تقرير ما يتابعه، ولا تتحولوا إلى أوصياء عليه يدين لكم بالشكر والعرفان، وينسى الجريمة التي ترتكب بحقه وهي جريمة الإلغاء أو الحذف أو المنع، نحن نرى المصلحة العامة ونمنع للمصلحة العامة. وهذا بالطبع غير مقبول وغير معقول، فأرجوكم أن ترفعوا الوصاية عن الوعي الجمعي للناس، الذين يمتلكون كل أدوات القبول والرفض، وهم فقط من يقرر في أي طريق يذهبون وأي فيلم يشاهدون.

فأرجوكم ارفعوا أيديكم عن حرية وذوق الناس الفني والقيمي.

المساهمون