باحثون عن كنوز ينهبون التراث الوطني الألباني

18 يوليو 2022
عُثر في المنطقة على عملات يعود بعضها إلى زمن الإسكندر (جنت شكولاكو/فرانس برس)
+ الخط -

في مدينة ألبانية أثرية مهملة، يحفر ناهبو كنوز الحقول، بحثاً عن الذهب أو الفضة أو القطع الأثرية النادرة لبيعها إلى مهرّبين دوليين.

وغالبا ما يفلت الباحثون غير الشرعيين عن الآثار من العقاب في ألبانيا، ممّا يثير غضب علماء الآثار بشأن سرقة التراث الوطني الذي لا يقدر بثمن والذي يغذي السوق السوداء العالمية.

وتؤكّد الحكومة أنّها تعمل على تدابير من شأنها توفير حماية للمواقع التي ينهبها اللصوص والمحافظة عليها، لكنّ ذلك لم يمنع حتّى الآن السرقات رغم أنّ إزالة القطع الأثرية في ألبانيا تُعتبر جريمة، على غرار معظم البلدان.

وكانت هذه المنطقة، القريبة من كورشه والمغطاة حالياً بالأعشاب، في الماضي مدينة هيا إي كوربيت التي تعني ظل الغراب باللغة الألبانية.

وتعرّضت المنطقة الواقعة على سفح إحدى التلال في السنوات الأخيرة للدمار، على يد لصوص استخدموا مجارف وجرافات للبحث عن معادن نادرة وقطع أثرية.

ويقول أحد السكان المحليين أكشيم لاغشتاري (60 عاماً)، إنّ "أشخاصاً يأتون من كل المناطق ويتوافدون إلى هذه الأماكن"، مضيفاً: "يحفرون في كل مكان، آملين العثور على ذهب أو فضة أو أي عناصر ثمينة أخرى".

واكتسبت المنطقة شهرة، بعدما عثر فيها خلال ثمانينيات القرن الماضي على أكثر من 600 قطعة نقدية فضية يعود بعضها إلى فترة حكم الإسكندر الكبير.

ويقول خبراء لوكالة فرانس برس إنّ أعمال تنقيب غير قانونية رُصدت تقريباً في كلّ موقع أثري بارز، في المنطقة التي تضمّ مقابر جماعية تاريخية وحصوناً وآثاراً أخرى تعود إلى فترة تتراوح ما بين العصر البرونزي وأوائل العصور الوسطى.

وتؤكد رئيسة قسم عصر ما قبل التاريخ في معهد تيرانا للآثار، روفينا كورتي، أنّ "المشكلة مقلقة جداً في هيا إي كوربيت التي تمثل مدينة أثرية مهمة لم يكتشفها علماء الآثار بعد".

وتضيف أنّ الباحثين غير الشرعيين عن الآثار "يدمّرون المنطقة وينهبون تراثها الوطني".

وتوضح المديرة السابقة للبعثة الفرنسية الألبانية في كورشه، سيسيل أوبرويلر، أنّ اللصوص غالباً ما يقضون على البيانات العلمية؛ إذ يزيلون القطع الأثرية من موقعها الأساسي الذي يشكّل عنصراً رئيساً يتيح للخبراء فهم تاريخ الموقع.

وفي شمال شرقي العاصمة تيرانا، تعرّضت بقايا كنيسة يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر أو الثاني عشر لتشويه في معالمها نتيجة ثقوب كبيرة أحدثها اللصوص.

وكان يُفترض أن تكون كنيسة مريم العذراء محميّةً كونها مصنّفةً معلماً ثقافياً، لكن هذا التقاعس لم يمنع اللصوص من نهب المنطقة.

ويقول عالم الآثار اسكندر موتساي: "يمكننا أن نطلق أي اسم على الممارسات التي تُسجل، لكنها في الواقع تشكل أعمالاً تخريبية يتسبّب بها اللصوص".

أمّا بالنسبة إلى نورا برايا (80 عاماً)، وهي من السكان المحليين، فكانت عمليات التخريب هذه مؤلمة.

وتقول باكيةً لوكالة فرانس برس: "كنت أرتاد كنيسة مريم العذراء كل ثلاثاء لأصلّي. فالعذراء أنقذت حياة ابني المريض بينما كنت عاجزة عن إنقاذ هذا المكان"، مشيرة إلى أنّها تأمل أن "تطارد اللعنة هؤلاء اللصوص".

وفيما يشير الخبراء إلى عدم اتخاذ إجراءات قانونية كافية لوقف عمليات النهب، تقول وزارة الثقافة الألبانية لوكالة فرانس برس إنّ الجهود جارية لمكافحة "التهريب غير المشروع للآثار". ومن بين هذه التدابير خطة عمل وطنية أُعلنت عام 2018، بالإضافة إلى مبادرات تهدف إلى تحسين التنسيق مع المنظمات الدولية في هذا الشأن.

وتفتقد ألبانيا لأرقام رسمية عن القيمة التقديرية للآثار المسروقة منها.

لكنّ الباحثين يشيرون إلى أنّهم متأكدون من أن بعض القطع الأثرية أصبحت في حوزة تجار دوليين، ثم بيعت ضمن مزادات لمتاحف أو لمجموعات خاصة في الخارج.

ويعتبر عالم الآثار والمؤرخ المتخصّص في الأعمال الفنية، نيريتان سيكا، أنّ ما يحصل يشكّل "معركة تعجز ألبانيا عن قيادتها بمفردها، فالمسؤولية تقع كذلك على سلطات بلدان أخرى تغض الطرف عندما تُعرض الآثار في متاحفها".

وكان للإدانة الموجهة أخيراً إلى المدير السابق لمتحف اللوفر في باريس جان لوك مارتينيز المتّهم بالتواطؤ لإخفاء عملية سرقة كنوز أثرية، الفضل في الإضاءة على حجم التجارة غير المشروعة بالآثار.

ويرى عالم الآثار الفرنسي باسكال دارك، أنّ المشكلة تنتشر على نطاق واسع فيما لا تأخذ المتاحف على محمل الجد عملية التحقق من أصالة القطع المعروضة للبيع والمنطقة التي تأتي منها.

وفيما يشدّد دارك على ضرورة "حظر بيع" القطع الأثرية، يؤكد أنّه "تجب إعادتها إذا حُددت المنطقة الجغرافية التي وصلت منها".

(فرانس برس)

المساهمون