انحياز عمالقة التكنولوجيا لإسرائيل يثير خلافات داخلية

27 أكتوبر 2023
الرئيسان التنفيذيان لـ"ميتا" و"غوغل" مارك زوكربيرغ وساندر بيتشاي (إليزابيث فرانتز/ Getty)
+ الخط -

بينما يستمر العدوان الإسرائيلي على غزة، تشهد شركات التكنولوجيا العملاقة التي تربطها علاقات وثيقة مع الاحتلال خلافات داخلية حادة. وفي حين أدلى كبار المسؤولين التنفيذيين في هذه الشركات بتصريحات علنية لدعم إسرائيل في أعقاب عملية طوفان الأقصى، بدأ موظفون بالضغط على المسؤولين عنهم للإدلاء بتصريحات مماثلة حول الجرائم التي يتعرض لها الفلسطينيون على يد الاحتلال الإسرائيلي.

وأدت الدعوات لوقف العدوان داخل شركات عدة إلى فرض قيود والتضييق على الموظفين، فيما استقال مؤسِّس مؤتمر تكنولوجي كبير بعد انسحاب الرعاة الرئيسيين من الحدث المقبل، بسبب تغريداته التي قال فيها إن إسرائيل ترتكب جرائم حرب.

داخل "غوغل"

قال الرئيس التنفيذي لشركة غوغل ساندر بيتشاي، في رسالة إلكترونية داخلية، إنه حرص على التأكد من سلامة الموظفين كلهم، وعددهم نحو ألف، في أعقاب عملية طوفان الأقصى مباشرة. بعد ثلاثة أيام من الهجوم، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول، غرّد بيتشاي قائلاً إنه "يشعر بحزن عميق بسبب الهجمات الإرهابية في إسرائيل والصراع المتواصل"، مضيفاً أنه "لا يمكن تصوّر" ما كان يعانيه موظفو الشركة في إسرائيل.

ولكن مع بدء إسرائيل عدوانها على غزة، أصبح بعض موظفي "غوغل" يشعرون بالفزع بشكل متزايد لأن الشركة لم تدلِ بأي بيان بشأن ما يتعرض له الفلسطينيون، وفق ما نقلته صحيفة واشنطن بوست.

منذ عام 2022، عارض المئات من موظفي "غوغل" عقد الحوسبة السحابية الذي أبرمته مع إسرائيل، والذي يسمى مشروع نيمبوس. وأعاد العدوان على غزة إشعال القضية داخل الشركة، إذ بدأ الموظفون الذين يعارضون العمل مع إسرائيل بتوزيع عريضة تطالب بإلغاء الصفقة وبأن يدلي بيتشاي ببيان علني بشأن الفلسطينيين. وقال موظف مشارك في تنظيم العريضة، لـ"واشنطن بوست"، إن أكثر من 500 موظف وقعّوا عليها.

وتصف العريضة العدوان الإسرائيلي على غزة بأنه "إبادة جماعية"، وتشير إلى أنه من خلال "تزويد إسرائيل بالذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى، فإن غوغل متواطئة في المراقبة الجماعية التي تمكّن احتلال الفلسطينيين وإخضاعهم". وتضيف: "لقد التزم ساندر بيتشاي وقيادة غوغل بشكل عام الصمت علناً بشأن الإبادة الجماعية التي تتكشّف، إذ عبروا عن قلقهم على الإسرائيليين، ولكنهم لم يقولوا شيئاً عن الفلسطينيين. داخلياً، أعرب بيتشاي بهدوء عن تعاطفه مع مجتمعات غوغل الفلسطينية والعربية والمسلمة، لكنه لم يقدم أي بيانات عامة عن التضامن أو التعاطف". وتطالب العريضة بيتشاي ورئيس قسم السحابة في "غوغل" توماس كوريان بإدانة الجرائم الإسرائيلية علناً، وتؤكد أن "أي شيء أقل من ذلك هو إذعان وتواطؤ".

داخلياً، أعرب بيتشاي عن قلقه على الموظفين الإسرائيليين وموظفي "غوغل" اليهود الذين قال إنهم يواجهون معاداة السامية في جميع أنحاء العالم، ومع "موظفي غوغل الفلسطينيين والعرب والمسلمين" الذين "تأثروا بشدة من الارتفاع المقلق في الإسلاموفوبيا، ويشاهدون بفزع المدنيين الفلسطينيين في غزة يعانون من خسارة كبيرة والخوف على حياتهم وسط تصاعد الحرب والأزمة الإنسانية". ونُشرت رسالته الإلكترونية على مدونة "غوغل"، لكنه حتى الآن لم يدلِ بتصريحات علنية حول الفلسطينيين.

داخل "أمازون"

الموظفون في "أمازون"، خاصة العرب منهم، يشعرون بالإحباط بسبب موقف الشركة. مثل "غوغل"، أبرمت "أمازون" عقداً مع الحكومة الإسرائيلية كان بعض موظفيها يضغطون لإسقاطه من خلال الاحتجاج والإدانات العامة.

في 9 أكتوبر، بعد يومين من بدء "طوفان الأقصى"، أرسل الرئيس التنفيذي لشركة أمازون آندي جاسي رسالة إلكترونية إلى الموظفين في إسرائيل يدعمهم فيها، وكتب: "أنا أفكر فيكم جميعاً في هذا الوقت العصيب للغاية...". في المقابل، لم يرسل أي رسالة إلى الموظفين الفلسطينيين في الولايات المتحدة أو في الخارج، وهو ما أثار حنق نحو ألفي موظف عربي. قال موظف منهم لـ"واشنطن بوست": "أمازون توظف موظفين عرب، وحياتنا متساوية"، وقال آخر: "الناس غاضبون. يريدون أن يروا أمازون تتخذ موقفاً".

وقال موظفو "أمازون" إن عريضةً داخلية لصالح وقف إطلاق النار على منصة إدارة العمل سلاك قد تعرّضت للإبلاغ والإزالة بزعم انتهاكها لسياسة "أمازون". كما أزيلت عريضة أخرى تجمع التواقيع لصالح إسقاط عقد مشروع نيمبوس بين "أمازون" وإسرائيل. وأضافوا أن القواعد نفسها لم تُطبَّق على الالتماسات الأخرى، مثل التماس جمع الأموال لصندوق إغاثة أطفال فلسطين أو الالتماسات غير ذات الصلة المنشورة في مجموعات الموظفين الأخرى.

وقالت متحدثة باسم "أمازون"، لـ"واشنطن بوست"، إنه يُسمح للموظفين بنشر حملات جمع التبرعات للجمعيات الخيرية التي خضعت لتدقيق وتمت الموافقة عليها، بينما "تزال المشاركات غير المصرّح بها وفقاً لسياسة الالتماس الخاصة بنا".

داخل "ميتا"

في "ميتا"، نشر الموظفون معلومات عن العدوان في منصة الاتصالات الداخلية للشركة ووركبلايس. قال أحد موظفي "ميتا" إن منشور "صلوا من أجل فلسطين" حُذف بعدما أبلغ موظف آخر المديرين بذلك، وفقاً للقطات شاشة شاهدتها "واشنطن بوست". وأكد الموظف في رسالة داخلية أن المنشورات المماثلة التي تقول "صلوا من أجل إسرائيل" لم تحذف.

في رسالة إلكترونية مؤرخة في 12 أكتوبر وموجهة إلى مديري "ميتا" واطلعت عليها "واشنطن بوست"، كتبت نائبة رئيس الموارد البشرية جانيل غيل أنه يُسمح لموظفي "ميتا" بإظهار التعاطف مع الضحايا المدنيين والمتضررين، أو الوقوف لحظة صمت من أجل جميع المتضررين. ومع ذلك قالت إنه لا يُسمح لهم "بالتعبير عن التعاطف مع القوات المسلحة، أو إجراء مناقشة أو مناظرة حول النزاع المسلح/ الحرب، أو مشاركة القصص العنيفة أو التي تصوّر العنف، أو قول أنا أقف مع هذه الأمة أو تلك أو أي مشاعر أخرى ذات صلة".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

عواقب التضامن مع غزة

واجه المسؤولون التنفيذيون في مجال التكنولوجيا الذين اختاروا التحدث علناً عواقب ذلك. أعلن بادي كوسغريف، المؤسس الأيرلندي لـ"قمة الويب"، مؤتمر التكنولوجيا الشهير، استقالته بعد انسحاب شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "ميتا" و"غوغل" و"إنتل" من الحدث بسبب تعليقاته بشأن إسرائيل.

في 13 أكتوبر، وصف كوسغريف العدوان الإسرائيلي على غزة بأنه جريمة حرب. وعلى الرغم من أن كوسغريف أدان في وقت لاحق "طوفان الأقصى"، ونشر في 17 أكتوبر اعتذاراً علنياً عن تصريحاته على موقع قمة الويب الإلكتروني، فإن موقفه استمر في إثارة الغضب. وغرّد ديفيد ماركوس، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين السابقين في "ميتا"، والذي يدير الآن شركة ناشئة للمدفوعات: "لقد اخترتَ دعم الإرهابيين. على هذا النحو، لن أحضر/ أرعى/ أتحدث في أي من فعالياتك مرة أخرى".

وقال كوسغريف، الذي كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لقمة الويب منذ عام 2009، في بيان استقالته: "لسوء الحظ، أصبحت تعليقاتي الشخصية مصدر إلهاء عن الحدث، وفريقنا، والجهات الراعية لنا، وشركاتنا الناشئة، والأشخاص الذين يحضرون. أعتذر بصدق مرة أخرى عن أي أذى تسببت به".

كان العميد المشارك الأول لدراسات القيادة في كلية ييل للإدارة جيفري سونينفيلد يتتبع ردود فعل الشركات تجاه هجوم حماس على إسرائيل. ورصد تحدث ما يقرب من 150 شركة إما لإدانة طوفان الأقصى ومعاداة السامية أو للتعبير عن التضامن والدعم لإسرائيل. وقال سونينفيلد إن أحد العوامل التي تبسّط حسابات العلاقات العامة للشركات في هذا الوضع هو أنه "لا توجد شركة واحدة من هذه الشركات لها أعمال تجارية بقيمة دولار واحد في غزة. لا داعي للقلق بشأن الإساءة للموظفين هناك".

وترسل الحكومة الأميركية مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية إلى إسرائيل، وبَنَت قطاعات التكنولوجيا والمالية والعلوم والطاقة أعمالاً كبيرة هناك. وتمتلك "أمازون" و"ميتا" و"غوغل" مكاتب في إسرائيل، وتوظف الآلاف هناك، وقد جرى استدعاء بعضهم كجنود احتياطيين للقتال في الجيش الإسرائيلي.

المساهمون