انتفاء الشر

29 يوليو 2021
المخرج محمد رسولوف (رافا ريفاس/فرانس برس)
+ الخط -

تساءل الزميل السينمائي فيصل حصائري، في الاجتماع الأول للجنة اختيار الأفلام في شركة "ميتافورا" سؤال العالم المستزيد، عن السرّ الذي يجعل فيلماً إيرانياً (بعنوان "لا وجود للشيطان")، يفوز بجائزة "الدب الذهبي" في مهرجان برلين السينمائي في عام 2020!
يعتمد الفيلم، الذي صور سرّاً، أربع قصص تتعلق بعقوبة الإعدام في إيران، إذ يدين المخرج، محمد رسولوف، النظام الذي ينفذ الإعدام، ومعه كلّ المساهمين في هذه العملية، ولو كانوا مجندي الخدمة الإجبارية، إذ لا عزاء ولا عذر لمن يفعل ذلك، حتى ولو كان ينفذ الأوامر.
المسؤولية من نصيب الجميع، والكلّ مساهم في الجريمة، حتى من ينأى بنفسه ويقول إن لا علاقة لي، أو من يدعي أنّه ينفذ قرار السلطات العليا وحسب؛ فهؤلاء "يستطيعون، في الواقع، أن يرفضوا. وهذه قوتهم ويجب أن يتحملوا مسؤوليتهم" كما صرّح المخرج رسولوف عبر الهاتف من طهران، لمنظمي حفل جوائز مهرجان برلين في دورته السبعين.
لا يؤمن المخرج بنظرية "تفاهة الشر" التي نظّرت لها الفيلسوفة الألمانية حنة آرندت، بعد حضورها محاكمة النازي أدولف آيخمان، إذ اعتبرت هذا المجرم وأمثاله عبيداً مأمورين، وبالتالي ليسوا مسؤولين عن هذا الشر العظيم، والمسؤول هو النظام الذي وضعهم في هذا الموقع الإجرامي. يرى الفيلم العكس تماماً، حيث "لا وجود للشر" حسب ترجمة البعض لعنوان الفيلم، بل هؤلاء هم أساس استدامة الطغيان.
يبدأ الفيلم بتصوير حياة أسرة عادية تعيش بلادة الواقع اليومي، وتتبرم من الازدحام وغباء الموظفين وقسائم الإعاشة، وتقوم بواجباتها العائلية، إذ يراعي الزوجان والدة الزوج العجوز، ويأكلون البيتزا في مطعم عادي، رغم اتفاقهم بأنّهم يجب أن يتوقفوا عن تناول الوجبات السريعة. 
ينهض الزوج إلى عمله فجراً، ويصل إلى مكتبه، يجهز إفطاره على أنغام الموسيقى، ضاغطاً على زر إعدام مجموعة من السجناء بكل برود قلب وأعصاب.
القصة الثانية، تدور حول مجموعة مجندين في الخدمة الإلزامية، رمتهم القرعة في كتيبة الإعدام. نشاهد أحد المجندين وقد حان دوره للمرة الأولى، كي يقوم بدفع الكرسي لإعدام المحكوم بالشنق. يتردد الرجل ويتساءل: "لماذا عليّ أن أعدم أحداً؟ أنا أؤدي خدمتي العسكرية كي أحصل على جواز سفر وأبدأ حياتي". يجيبه جندي آخر: "الرفض يعني محاكمة عسكرية".
يدخل الجميع في نقاش حول الإعدام، فنرى أحدهم لا مباليا، ويريد أن يكمل نومه، وينعت الرافض بـ "المخنّث"، في حين يرى ثانٍ أنّ "القانون هو القانون" ويرد عليه ثالث: "هذه إيران حيث لا قانون، القانون للمحسوبية والرشوة". يتدخل أحدهم ليقول: "كلّما جاء دوري في دفع الكرسي، أحاول معرفة الجريمة التي ارتكبها الشخص الذي سأنفذ حكم الإعدام به. وأحمد الله أنّ أحدهم لم يكن بريئاً، فهم إما مهربون أو قتلة". 
في الجزء الثالث، يزور المجند جواد عائلة خطيبته، ليحتفل بعيد ميلادها؛ فيجدهم في حالة حزن وعزاء على وفاة صديق للعائلة، وعندما يرى صورته، يدرك أنّه من نفذ حكم الإعدام به، ويعرف أنّه قد أعدم بسبب آرائه السياسية، ويدافع عن نفسه: "إن قلنا لا، يدمرون حياتنا". ونعلم من خلال المواجهة مع خطيبته، أنّه كان يأخذ إجازة ثلاثة أيام مقابل دفع كرسي المحكوم عليه بالإعدام.  
القصة الرابعة امتداد للثانية، إذ إنّ المجند الرافض، قد هرب مع حبيبته على أنغام أغنية المقاومة الإيطالية ضد الفاشية "بيلا تشاو" وقد ماتت الحبيبة بعدما أنجبت طفلة تركها في عهدة خالها على أنّه أبوها.
تدور الأيام ويعيش المجند السابق مع زوجته في منطقة نائية، ويقرّر نتيجة مرضه الشديد، أن يصارح ابنته "دريا" بأنّه أبوها، وبأنّه تركها بسبب خياره بعدم قتل أحد.
حاكمت السلطات الإيرانية مخرج الفيلم، وأصدرت بحقه حكماً بالسجن لمدة عام، وحظرت عليه السفر، وبالتالي لم يتمكن من تسلم جائزته التي تسلمتها ابنته إحدى بطلات الفيلم. 
وهذا الحكم بالسجن ليس الأول بحق المخرج، فقد سبق أن قبض عليه عام 2010 في مكان التصوير، وحكم عليه بالسجن ست سنوات بسبب التصوير من دون موافقة، وتم تخفيض الحكم لعام واحد، وخرج بكفالة. وحكم أيضاً عام 2019 بالسجن لمدة عام بسبب فيلم "رجل النزاهة" الذي حاز جائزة فئة "نظرة ما" عام 2017، في مهرجان "كان". وفي عام 2020، حُكم بثلاثة أعوام سجناً بسبب اعتبار المحكمة ثلاثة أفلام له معادية للنظام ومُنع من صناعة الأفلام لمدة عامين.

المساهمون