استمع إلى الملخص
- سعاد حسني وصراع الكرامة: في "خلي بالك من زوزو"، تجسد سعاد حسني صراع زينب بين كرامة فنها ووالدتها وبين الحياة القاسية، مما يبرز موهبتها الفطرية وقدرتها على تجاوز المعوقات.
- حسين فهمي وتناقضاته: حسين فهمي يعكس تناقضات طبقته رغم وسامته، حيث لم يحسم هويته بين الغربي والمصري، وأظهر مواقف داعمة لغزة في مهرجان القاهرة السينمائي.
تتعرّض تحية كاريوكا للإذلال. "العالِمة" نعيمة ألماظية، والعالمة هنا هي الراقصة على ما شاع في التعبير المصري، بالغة الطيبة، تُدعى لإحياء حفل لدى عائلة ثرية، فتذهب وفرقتها لتجد أن الزمن قد انقلب عليها. لم يعد زمن شارع محمد علي، بل شارع الهرم، ومفهوم الرفاهية أو البضاعة إذا شئت لم يعد فناً بشروطٍ متواطَأ عليها تحفظ كرامة وشروط الطرفين، بل "إمتاع" وتسليع وإذلال؛ وبينما هي ترقص، يتعمّد أبناء الطبقات الجديدة إذلالها، فيشغّلون موسيقى غربية ويبدأون بالرقص حولها، كأنما هي فرجة وموضوع للسخرية والازدراء.
في تلك اللحظة تدخل سعاد حسني (زينب)، ابنة العالمة، الجامعية، الجميلة، إلى ساحة الرقص. كان يكفي أن تنضو عنها فستانها لنكتشف أنها تخبئ تحته آخرَها، الراقصة أو العالِمة المفترضة، لترث الأم إذا تعسّر الحال، وقد تعسّر ووصل حد الإهانة العلنية والإذلال.
في واحد من أجمل مشاهد "خلي بالك من زوزو" (إنتاج 1972، إخراج حسن الإمام) تُحسم ثنائية الراقصة/الجامعية لصالح شروط الحياة القاسية، فعلى الراقصة أن تنتقم لكرامة فنها وأمها، أن ترتفع بشرطها الوظيفي إلى أفق جمالي. تبدو سعاد حسني في هذا المشهد ذبيحةً على مائدة ذئاب. الجمال المنتقم، الفتنة إذ تنشد الاعتراف بها وبكرامتها لا إمتاعَ الآخرين، في صراع داخلي يتبدى على ملامح وجه واحدة من أعظم الفنانين العرب موهبة على الإطلاق.
ماذا حدث بعد ذلك؟ يدخل الشاب حسين فهمي، الوسيم ابن العائلة الثرية، لينقذ الفن من الانحدار، والشابة من أن تُبتذَل، وجسدها من أن يُنتهَك، فيصفعها ويجبرها على وقف اختبار الوجود والكرامة الذي بدأته.
ليس ثمة من موهبة لدى هذا الشاب. وربما كان هذا المشهد، إضافة إلى مشهد أو اثنين من "موعد على العشاء" و"أميرة حبي أنا"، ما يظهر فيه ممثلاً، سوى ذلك لم تكن بضاعته سوى وسامته.
لولا "خلي بالك من زوزو" لما كان حسين فهمي الذي نعرفه في السينما. لقد تكرّست صورته على هذا النحو: "الواد الثقيل"، والمُحب والمحبوب لكن الهش، والغربي على شاشة عربية.
ليس حسين فهمي فقط من سبقت الإشارة إليه، وقد تكون قاسية، بل ابن الطبقة التي أهانت العالمة نعيمة ألماظية. إنه يسار العائلة في الفن والحياة. درس الإخراج في الولايات المتحدة، وعمل مساعداً ليوسف شاهين في فيلم "الاختيار"، وهو من بطولة سعاد حسني أيضاً.
دخل السينما ممثلاً بالصدفة، ولكنه حافظ على تناقضات شخصيته الأولى، فحتى عندما كان يمثّل دور الفلاح أو العُمدة، كانت ملامحه الغربية تخذل جهوده ليندمج. لقد ظل "خارجاً" دائماً، ولم يستطع يوماً حسم ثنائية الغربي الوسيم لصالح مصريته ودوره ممثلاً، بينما نجحت في ذلك زينب بنت العالمة في الفن والحياة.
لماذا؟ لأن الموهبة الفطرية التي تمتعت بها الأخيرة كانت من القوة بحيث جرفت في طريقها كل المعوقات، ليس الجمال وحسب، ليس الفتنة والإغواء، بل الموهبة الفطرية.
تسلطت الأضواء على "الواد الثقيل" أخيراً. رحل شقيقه، وما هي إلا أيام حتى وجد نفسه يدير فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي، يدلي بتصريحات تلفت الانتباه عن فلسطين، ومن قبل عن رفضه تلقي دعم الشركات المُقاطَعة لموقفها من حرب الإبادة على قطاع غزة. يضع علم فلسطين على صدره، ولا ينفك يتحدث عن غزة وضرورة إسنادها، فهذا هو جزء من دور الفن. وكما قال فإن الشعوب تعبّر عن قضاياها في مهرجاناتها. على أن هذا ليس حسين فهمي فقط. إنه ابن السلطة كما هو ابن الطبقة. يسارها أحياناً من دون أن يقطع معها، فمن يقف إلى جانب غزة هو نفسه من يدافع عن النظام السياسي في بلاده، بل ويهجو الثائرين عليه، وهو نفسه من يتحدث عن الحجاب أو سواه بازدراء، أو لنقل من دون وضعه في سياقه الثقافي والاجتماعي بل والطبقي أحياناً. إنه من يختزل الظواهر بما يُرضي النظام أو الطبقة التي يقف إلى يسارها، ويغازل في الوقت نفسه الخارجين عليها أحياناً، لكنه يظل وفياً لها، وإنْ مزّقه هذا التناقض، هذه الثنائية في شخصيته.
تُحمد للرجل مواقفه تجاه غزة، ويُشكَر، لكن من قال إن كارل ماركس كان على خطأ؟ كان مصيباً على الدوام.