عند انتهاك حقوق الصحافيين في القارة الآسيوية، غالباً ما تُسلّط الأضواء على الصين، وذلك في ظلّ تركيز الإعلام الغربي والمنظمات الحقوقية على مئات الانتهاكات التي تسجّل بشكل دوري من قبل حكومة بكين. لكن رغم تحوّل الصين إلى القامع الأكبر للصحافيين في العالم، فإن بلداً آسيوياً آخر بدأ بدوره يضيّق الخناق على العاملين في مجال الإعلام، نتحدّث هنا عن الهند.
تقبع الهند في المرتبة 150 (من أصل 180) في ترتيب منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة، في تراجع متواصل كل عام، إلا أن انتهاكاتها لحقوق الصحافيين نادراً ما تجد طريقها إلى الإعلام العالمي. مناسبة الحديث هو استدعاء وكالة مكافحة الإرهاب في المنطقة الشمالية (إقليم جامو وكشمير الذي يخضع للسيطرة الهندية)، رئيس التحرير المؤقت لمجلة كشمير والا الإلكترونية، بسبب مقال نُشر قبل 11 عامًا!
وجاء هذا الاستدعاء للصحافي يشراج شارما ليضاف إلى سلسلة الاستدعاءات التي طاولت العاملين في المجلة. إذ في 18 إبريل/ نيسان الماضي ألقت السلطات القبض على كاتب المقال (نشر في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011)، عبد الأعلى فاضلي، الذي لا يزال محتجزاً حتى اليوم. كما أن رئيس التحرير الأصيل للمجلة فهد شان مسجون أيضاً منذ 4 فبراير/ شباط الماضي، وهو ما دفع شارما ليحلّ مكانه. علماً أن هذا الأخير يبلغ من العمر 23 عاماً، أي أنه كان في الثانية عشرة من عمره عندما نشر المقال، وبالتالي من غير المفهوم استدعاءه أخيراً، والتحقيق معه في تفاصيل المقال نفسه.
والمقال الذي تعتبره الحكومة الهندية مسيئاً، يشجّع سكان إقليم جامو وكشمير (الغالبية المسلمة بشكل خاص) على مقاومة السطوة الهندية، والدعوة لحق تقرير مصيرهم.
لكن يبدو أن القضاء الهندي اختار التّحرك اليوم، في ذروة التوترات الطائفية الي تعرفها البلاد بين الهندوس والمسلمين، وبعد 3 أعوام من إلغاء نيودلهي المادة 370 من الدستور الهندي، التي كانت تمنح سكان جامو وكشمير هامشاً واسعاً من المناورة في إدارة شؤون ولايتهم، وبموجبها لم تكن الحكومة المركزية في نيودلهي مفوضة بسنّ تشريعات في هذه المنطقة، إلا في مسائل الدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات، أمّا الأمور المتبقية، فتتولاها سلطة تشريعية محلية. لكن إلغاء هذه المادة أعاد إدارة الإقليم بشكل كامل إلى الحكومة المركزية.
من جهتها، أدانت منظمة مراسلون بلا حدود استدعاء شارما، والتضييق على العاملين في المجلة، وجاء في بيان صادر عنها: "تدين المنظمة الجولة الأخيرة من اضطهاد الهند لصحافيي مجلة (كشمير والا)، الذين يتم سجنهم واحدًا تلو الآخر".
وقال مدير مكتب آسيا والمحيط الهادئ في المنظمة دانييل باستار إن "السلطات التي تدير جامو وكشمير تلاحق موظفي (كشمير والا) بقسوة صارخة فلا يسع المرء أمام هذا الواقع إلا أن يتساءل عمن سيكون التالي... معاملتهم لموظفي هذه المجلة لا تليق بنظام ديمقراطي من المفترض أن يحترم سيادة القانون. ندعو قضاة المحكمة العليا في الهند إلى إجراء مراجعة فورية لهذه الانتهاكات المتكررة للحقوق الأساسية للمواطنين، الذين تتمثل جريمتهم الوحيدة في ممارستهم عملا صحافيا مستقلا".
وكانت ملاحقة محرري المجلة قد بدأت قبل عام ونصف حين ألقى الأمن الهندي القبض على مراسل الموقع ساجد غول في 6 يناير/ كانون الثاني 2021 بعدما نشر عبر حسابه على تويتر مقطع فيديو لاحتجاج شعبي لسكان الإقليم، ثمّ أطلق سراحه بعد عام، لتعود الشرطة وتعتقله موجهة إليه اتهامات بموجب قانون السلامة العامة، ولا يزال غول في السجن حتى اليوم ويواجه عقوبة محتملة بالسجن مدى الحياة.
وتعتبر مجلة "كشمير والا" واحدة من المؤسسات الإعلامية القليلة المتبقية في إقليم جامو وكشمير، وتحاول رغم كل القمع المحافظة على استقلاليتها بعيداً عن سطوة الحكومة. وتتميز المجلة بين المؤسسات الإعلامية الهندية بمنحها صوتاً لمجتمعات وأفراد نادراً ما يجدون منبراً في الإعلام التقليدي، علماً أن الهند تضم 100 ألف صحيفة، من بينها 36 ألف أسبوعية، إلى جانب 380 قناة تلفزيونية إخبارية. لكن هذه الأرقام التي قد توحي بالديمقراطية والتنوع لا تعكس الحقيقة، فبحسب مراسلون بلاد حدود أيضاً، تعتبر الهند من أخطر المناطق للعمل الصحافي، خصوصاً في السنوات الأخيرة، بعدما "كثف القوميون الهندوس ضغوطهم على وسائل الإعلام لفرض خطاب الحكومة على المشهد الصحافي، بينما يشنون حملة ملاحقة شاملة ضد أي فكر مناهض للقومية في النقاش العام وسط المجتمع، حيث تُنظّم حملات مرعبة ومُنسقة تحرض على الكراهية ودعوات القتل على منصات التواصل الاجتماعي"، وفق ما جاء في تقرير المنظمة السنوي لعام 2022، حول حرية الصحافة في العالم.