شارك المسؤولون الأوكرانيون في الأشهر الأخيرة معلومات حول الهجمات الإلكترونية الروسية مع المحكمة الجنائية الدولية، على أمل التحقيق فيها كجرائم حرب. هذه إحدى الفرص الحقيقية الأولى لاختبار ما إذا كان هذا النوع من الهجمات يخضع لبعض القوانين التي تحكم الحرب. ويمكن القول إن الغزو الروسي لأوكرانيا هو الصراع العالمي الأبرز حتى الآن الذي تبرز فيه المعارك الميدانية والسيبرانية المنسقة.
في مقابلة مع صحيفة بوليتيكو الأميركية هذا الأسبوع، قال المسؤول البارز في مجال الأمن السيبراني الأوكراني، فيكتور زورا: "عند التدقيق في الفضاء الإلكتروني، نلاحظ نوعاً من التنسيق بين الضربات على الأرض والهجمات الإلكترونية، وبما أن معظم هذه الضربات توجه ضد المدنيين، وهي جريمة حرب مباشرة، فيمكن اعتبار الإجراءات الداعمة لها على شبكة الإنترنت جرائم حرب كذلك".
وفي هذا السياق، كانت مجموعة من المحققين في مجال حقوق الإنسان والمحامين من مركز حقوق الإنسان في كلية بيركلي للحقوق في جامعة كاليفورنيا حثّت، خلال الربيع الماضي، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على النظر في محاكمات جرائم الحرب ضد مجموعة القرصنة الروسية الحكومية "ساندوورم" Sandworm بشأن هجماتها ضد أوكرانيا. لم تعلّق المحكمة الجنائية الدولية على المسألة، لكن مديرة التكنولوجيا والقانون والسياسة في مركز حقوق الإنسان، ليندساي فريمان، صرّحت لمجلة وايرد أخيراً بأن مكتب المدعي العام أكد لها أنه ينظر في الطلب.
هل يمكن حصول ذلك فعلاً؟ هناك إجماع بين الخبراء القانونيين والعسكريين على أن الهجمات الإلكترونية يمكن أن تعتبر، على الأقل من الناحية النظرية، جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي، وهي المعاهدة التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية.
المحكمة تحقق بالفعل في جرائم حرب ارتكبتها روسيا ضد جارتها، وقد قال المدعي العام كريم خان إن "أوكرانيا مسرح جريمة". أوكرانيا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، لكنها قبلت اختصاصها بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
هاجم قراصنة "ساندوورم" عام 2015 شبكة الكهرباء في أوكرانيا، وحرموا مئات الآلاف من الأشخاص من الكهرباء لساعات. كما استهدف المتسللون الروس البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، وذكر فيكتور زورا تحديداً الهجمات على DTEK Group، أكبر تكتل خاص للطاقة في أوكرانيا.
غير أن المسؤول السابق في وزارة الأمن الداخلي الأميركية بول روزنزوايغ، وهو جزء من مبادرة قانون الأمن السيبراني في جامعة واشنطن، أفاد صحيفة واشنطن بوست بأن هناك أسباباً عدة تجعل مقاضاة هجوم إلكتروني كجريمة حرب خطوة معقدة. قال روزنزوايغ: "لكي تكون جريمة حرب، يجب أن تكون موجهة بالكامل ضد المدنيين، من دون أي احتمال واقعي للاستفادة منها عسكرياً... سيحاجج الروس بأنهم عبر استهداف الاقتصاد الأوكراني يزيدون فرص طلب الأوكرانيين السلام، وهذه ميزة عسكرية كبيرة". وأضاف: "أوكرانيا يمكنها تقديم حجج أقوى إذا استهدفت الهجمات الروسية المستشفيات أو منشآت معالجة مياه الصرف الصحي في المدن البعيدة تماماً عن الخطوط الأمامية".
في المقابل، رأى ديفيد شيفر الذي شغل منصب أول سفير أميركي متجول معني بمسائل جرائم الحرب أن "للفكرة فرصة كبيرة" للمضي قدماً، وذلك لأسباب متنوعة. أوضح شيفر، وهو الآن زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، لـ"واشنطن بوست"، أن استهداف روسيا لشبكة الطاقة "اعتداء على السكان المدنيين بطريقة غير إنسانية، خاصة خلال فصل الشتاء في البرد القارس". وأضاف: "لتقول روسيا إن الاستغناء عن محطة للطاقة كان خطوة لاكتساب ميزة عسكرية يتعين عليها أن تثبت من خلال اختبار التناسب أن المحطة لها أهمية مباشرة للقدرات العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية في تلك المنطقة".
وبينما أشار شيفر إلى أنه لا يعرف مدى خبرة المحكمة بالمسائل الإلكترونية، فإن الاستعانة بمستشارين من خارجها قد تكون واردة. وقال: "أنا واثق من القول إن المدعي العام كريم خان، وهو محامٍ لامع، سيتعامل مع الموضوع كجزء لا يتجزأ من الوضع الأوكراني الذي يحقق فيه. لن يتجاهل هذا النوع من الأدلة".
وبين روزنزوايغ وشيفر، تبرز زاوية ثالثة، وهي التي عبّر عنها نائب رئيس وحدة Mandiant Threat Intelligence في شركة غوغل، جون هولتكويست. إذ قال متحدثاً لمجلة وايرد: "نحتاج إلى بذل كل ما في وسعنا الآن للاستعداد لمواجهة مجموعة ساندوورم أو ردعها. إذا كنا سنفعل ذلك، فالآن حان الوقت". لكنه أشار إلى أن هناك "فرقاً صارخاً بين الهجمات الإلكترونية والهجمات على الأرض في الوقت الحالي. لا يمكن ببساطة تحقيق نفس التأثيرات مع الهجمات الإلكترونية التي يمكنك تحقيقها عندما تقصف وتجول بدباباتك في الشوارع".