النظام السوري يحكم قبضته على "الإعلام الجديد"

12 نوفمبر 2022
طرح القانون "للنقاش" منذ عام 2017 (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

وافقت حكومة النظام السوري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون الإعلام الجديد، بعد سنوات من "النقاش" والتأجيل، وزعمت أنّه يستجيب لمتطلبات العصر، وهو ما رفضه حتّى صحافيو النظام الذين اعتبروا أنّه يكرس الرقابة على القطاع. كما وافقت الحكومة على إحداث وزارة الإعلام الجديد التي ستحلّ محل الوزارة الحالية في الإشراف على وسائل الإعلام ومراقبتها.
ويهدف القانون الجديد إلى أن يكون "عصرياً يتماشى مع التطورات الحاصلة في مجال الإعلام والاتصال، وخاصة في الأمور الإجرائية التي لم يشملها القانون النافذ، والمتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي، واعتماد مكاتب إعلامية لوسائل الإعلام غير السورية، ومراكز البحوث الإعلامية واستقصاء الرأي ومراكز التدريب، وذلك بعد استدراك جميع الملاحظات على المشروع في جلسة سابقة، ليكون متكاملاً ويناسب بيئة العمل الإعلامي المعاصر بمختلف جوانبه"، وفق ما ذكرته الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة.
كان القانون قد طرح للنقاش داخل أروقة الجهات الرسمية منذ عام 2017، من دون طرحه على موقع التشاركية التابع للحكومة، لمنع الصحافيين من الإدلاء بآرائهم حوله. لكن إقراره تأجل مرّات عدّة بسبب الاعتراضات الكثيرة من جانب جهات مختلفة، بعد تسرب نصوصه وما تضمنته في صيغتها الأولى من قيود شديدة على وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي.
وقال وزير الإعلام لدى النظام بطرس حلاق إنّ القانون الجديد سيتولّى "عمل الإذاعات والصحافة الورقية والإلكترونية، ويستثني وسائل التواصل الاجتماعي، نظراً لصعوبة السيطرة عليها". وتبرّر الوزارة عدم توليها مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي بالقول إنّها "ليست وسائل إعلامية، فيما ينحصر دورها فقط بوسائل الإعلام المعتمدة أو المرخصة من وزارة الإعلام"، فيما يرى صحافيون سوريون أنّ هذا التراجع سببه ترك هذه المهمة إلى فرع مكافحة جرائم المعلوماتية في وزارة الداخلية، باعتبار أنّ لديه سلطات تنفيذية في مراقبة وملاحقة واعتقال "المتجاوزين"، وخاصة بعد استحداث محاكم جزائية متخصصة في الجرائم المعلوماتية خلال السنوات الماضية.

تهم فضفاضة

يتضمّن القانون الحالي الكثير من الممنوعات الفضفاضة، منها "عدم جواز المس برموز الدولة"، مثل الرئيس والجيش وأجهزة الأمن، أو "المواد التحريضية"، إضافة الى مادة تنص على عدم جواز اعتقال الصحافي أو استجوابه، ولو كان مرتكباً لجُرم، من دون إبلاغ المجلس الوطني للإعلام الذي استحدثه النظام عام 2011، أو فرع اتحاد الصحافيين الذي يتبع له الصحافي المعني. غير أنّ هذه المادة، المتعلقة بمنع اعتقال الصحافيين واستبدال عقوبتهم بالغرامة المالية الكبيرة، تعتبر بحكم الملغاة، لأنّها تتعارض مع قانون العقوبات المعمول به في البلاد. من الناحية القانونية، في حال وجود أيّ مادة في أيّ قانون تتعارض مع قانون العقوبات، يؤخذ بالقانون الأشد، ما يعني أنّ جميع البنود التي تمنح الصحافي عقوبات مخففة أو تزيد من هامش حرية الرأي والتعبير ستصطدم بقانون العقوبات.
أيضاً، اعترض صحافيون موالون على الطريقة المغلقة التي جرت بها مناقشة القانون، وعلى اللجنة المكلفة بصياغته. كانت قد شُكّلت لجنة ثلاثية تدرس مقترحات اللجنة الأولى، مكوّنة من وزير الإعلام ووزيرة السياحة ووزير الاتصالات.
ورأى رئيس تحرير صحيفة الوطن السورية وعضو لجنة صياغة قانون الإعلام الجديد وضاح عبد ربه أنّ اللجنة المكلفة بالوقوف على دراسة مقترحات لجنة صياغة القانون "مثيرة للانتباه"، متسائلاً عن الهدف من وجود وزيرة السياحة ضمن اللجنة وهي بعيدة كل البعد عن الاختصاص. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على وزير الاتصالات الذي اعتبر وجوده لا يخدم سوى الجانب الفني لوسائل التواصل الاجتماعي دون غيرها.
ويتضمّن قانون الإعلام الجديد محظورات النشر نفسها الموجودة في القانون القديم، مثل حظر إنتاج أو نشر أو بثّ أيّ محتوى من شأنه "الإساءة إلى الديانات السماوية والمعتقدات الدينية أو المساس بالوحدة الوطنية، وإثارة النعرات الطائفية أو المذهبية، أو التحريض على ارتكاب الجرائم وأعمال العنف والإرهاب، أو التحريض على الكراهية والعنصرية". وتعتبر هذه الممنوعات تهماً فضفاضة، إذ واجه العديد من الصحافيين عقوبات واستدعاءات أمنية عند حديثهم عن التقصير الحكومي، ووجهت إليهم اتهامات بـ"انتهاك الأمن الوطني" أو "نشر أخبار كاذبة".

وزارة إعلام جديدة

في خطوة غير مفهومة، أقرّت حكومة النظام أيضاً مشروع مرسوم يقضي بإحداث وزارة الإعلام الجديد لتحلّ محل الوزارة الحالية. ونصّ المشروع على أنه "تحدث في الجمهورية العربية السورية وزارة ذات طابع إداري باسم وزارة الإعلام، وتحل محل وزارة الإعلام المحدثة بالمرسوم التشريعي رقم /186/ تاريخ 10/12/1961 في ما لها من حقوق وما عليها من التزامات".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وحدّد القانون مهمة الوزارة الجديدة في "رسم السياسة الإعلامية العامة، والإشراف على تنفيذها وفق السياسة العامة للدولة". وتضمن القانون مواد أخرى عدة مشابهة للأهداف المعلنة للوزارة السابقة، مثل "حق المواطن بالحصول على الخدمات الإعلامية"، و"ضمان حرية العمل الإعلامي والتعبير عن الرأي في الوسائل الإعلامية الوطنية"، و"ربط الإعلام بالمجتمع، بما يعزز الهوية الوطنية والعربية، والتنوع الثقافي"، و"النهوض بالصناعة الإعلانية والترويجية الوطنية داخلياً وخارجياً"، إضافة إلى "الإشراف على الإنتاج الدرامي ودعمه وتوجيهه في خدمة القضايا الوطنية والتنموية، من خلال تقييم النصوص الدرامية والوثائقية، وتشجيع تأسيس شركات ومؤسسات ومدن الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، وتوسيع مجالات التعاون للإنتاج المشترك"، وكذلك "التعاون والمشاركة مع القطاع الخاص للاستثمار في قطاع الإعلام".
كما قضى القانون بتشكيل "المجلس الاستشاري للإعلام"، المكون من الوزير رئيساً، ومعاون الوزير للشؤون الإعلامية نائباً للرئيس، ومعاون الوزير للشؤون التقنية عضواً، ومديري المؤسسات الإعلامية أعضاء، ومدير الاتصال والدعم التنفيذي مقرراً، مع إمكانية ضمّ استشاريين من العاملين في الوزارة والمؤسسات التابعة لها أو غيرهم من العاملين في المؤسسات الحكومية الأخرى أو الخبراء.
وتحدّد مهام المجلس في "تقديم المشورة الإعلامية والفنية وتوظيف نتائجها في خدمة العملية الإعلامية وتطويرها"، و"وضع خطط لتصويب الأداء"، و"إبداء الرأي بالأنظمة والقرارات التنظيمية التي تعدها الوزارة ومؤسساتها".
ولفت إلى أنّ هناك عدداً من المؤسسات تتبع للوزارة، وهي: الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، والمؤسسة العربية للإعلان، ومؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، والمؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، والشركة السورية لتوزيع المطبوعات، ومعهد الإعداد الإعلامي، والمعهد التقاني للإعلام والطباعة.

إحكام قبضة النظام

تستهدف مجمل هذه الإجراءات إحكام قبضة النظام على وسائل الإعلام والتعبير المختلفة، وفق ما يقوله الصحافي مراد الحسين لـ"العربي الجديد"، لافتاً إلى أنّها لا تحمل أيّ جديد على صعيد تعزيز حرية الصحافة وتهيئة بيئة قانونية صحية لعمل وسائل الإعلام. ويعتبر الحسين أنّ ذلك "أمرٌ طبيعي في دولة تحكمها الأجهزة الأمنية والمليشيات، ولا يمكن بطبيعة الحال أن يكون لدينا إعلام حر في مثل هذا الوضع".
 

المساهمون