المكتبة الآشورية... إصرار الموصل على العودة للحياة

02 يناير 2023
ستكون المكتبة أكبر من مكتبة الإسكندرية الشهيرة في مصر (العربي الجديد)
+ الخط -

في الموصل المنكوبة، ثمة صورة مختلفة تكشف عن رغبة المدينة بالعودة للحياة وبشكل أفضل من السابق، إذْ تسعى للتواصل مع العالم ومواكبة مسيرته العلمية والثقافية، وهي الصورة التي تسعى جامعة الموصل إلى الوصول إليها عبر تبينها مشروعاً لإنشاء أكبر مكتبة مركزية في العراق والمنطقة.
جامعة الموصل التي كانت مدمرة بشكل كامل قبل 5 أعوام، تسعى لإضافة معلم ثقافي وحضاري بارز من خلال أضخم مشروع تطرحه بعد إعمار غالبية المباني في الجامعة والتي تدمرت خلال سيطرة تنظيم داعش وخلال العمليات العسكرية لاستعادة السيطرة على المدينة.
قسم المشاريع في جامعة الموصل، أعلن عن مشروع لإنشاء "المكتبة الآشورية" والتي من المفترض أن تكون في حال تنفيذها الكبرى في الشرق الأوسط، وقال مدير قسم المشاريع في الجامعة أسامة حمدون في حديث مع "العربي الجديد": "المكتبة الآشورية التي تسعى جامعة الموصل لاستئناف العمل فيها هي أحد مشاريع الخطة الاستثمارية والتي تمول من قبل وزارة التعليم العالي العراقية". وأضاف: "العمل في مشروع المكتبة الآشورية أو مكتبة آشور بانيبال بدأ قبل العام 2003، لكنه توقف بسبب الغزو الأميركي للعراق واحتلاله، ثم استؤنف العمل فيه بعد ذلك، لكنه توقف بعد سيطرة داعش على الموصل في أحداث 10 حزيران 2014".

تصميم المكتبة يحاكي ثلاث حقب تاريخية مختلفة


وأكد حمدون أن جامعة الموصل تسعى لإحياء المشروع من جديد ومواصلة العمل فيه ليكون أكبر مكتبة مركزية في الشرق الأوسط، ما يعني أن المكتبة ستكون أكبر من مكتبة الإسكندرية الشهيرة في مصر. وأشار حمدون إلى أن مشروع مكتبة آشور بانيبال أقيم داخل مبنى جامعة الموصل في الجزء الشمالي من مدينة الموصل، ويمتد على مساحة 50 ألف متر مربع، مبينا أن الجهة المنفذة للمشروع في السابق كانت شركة المنصور التابعة لوزارة الإعمار والإسكان.
وعن نسب الإنجاز التي وصل إليها المشروع قبل أن يتوقف في 2014، أوضح مدير قسم المشاريع والإعمار في جامعة الموصل أنها بلغت 62 في المائة، لكن بسبب العمليات الحربية التي شهدتها الجامعة، تراجعت نسب الإنجاز لتصبح حالياً 35 في المائة.
وتابع حمدون: "جامعة الموصل قدمت كافة المتطلبات والأوراق الخاصة بالمشروع إلى وزارة التعليم من أجل إعادة عجلة العمل في المشروع من جديد"، لافتاً إلى أن وزارة التعليم قدمت بدورها الموضوع إلى وزارة التخطيط، والتي من المؤمل أن تعلن عن موافقتها على إكمال المشروع، معرباً عن أمله بأن المشروع سيرى النور قريباً، بسبب الدعم الذي أبداه كبار المسؤولين في الدولة العراقية للمشروع بشكل عام.
وعن شكل المكتبة وتصميمها العمراني قال أسامة حمدون إن "التصميم يحاكي ثلاث حقب مختلفة، الأولى وهي الحقبة الآشورية والتي كانت تمثل إمبراطورية كبرى مركزها نينوى، والثانية هي الحقبة العربية الإسلامية والتي كانت الموصل أبرز المدن فيها، والحقبة الأخيرة هي المعاصرة الحديثة"، مبيناً أن المشروع يتضمن مزج هذه المعالم العمرانية في تلك الحقب المختلفة لإظهار الشكل التاريخي والمعاصر في مشهد واحد.
وأوضح حمدون أن المكتبة الآشورية لن تقتصر على مكتبة فقط، بل ستضم إلى جانب المكتبة وقاعات القراءة، قاعات دراسية وصالات للمؤتمرات وقاعات للمعارض ومسرحًا كبيرًا ومتحفًا ومواقع استراحة، أي أنها ستكون مركزًا ثقافياً متعدد الجوانب. ولفت إلى أن مشروع المكتبة في حال إنجازه سيكون معلماً من المعالم البارزة في العراق، وليس في نينوى فقط، حيث إنها تحمل أبعاداً ثقافية وحضارية وعلمية إضافة إلى العمرانية، مشيراً إلى أن المكتبة من شأنها أن تفتح آفاق التعاون مع الجامعات الكبرى والمتاحف العالمية كمتحف اللوفر وغيره.
وعن نسب الإعمار الحالية التي تشهدها جامعة الموصل، قال مدير قسم المشاريع والإعمار أسامة حمدون، إن 80 بالمائة من مباني الجامعة تعرضت للدمار الكامل والجزئي خلال العمليات العسكرية، وأن نسب الإعمار في الجامعة والمؤسسات التابعة لها بلغت من 90 إلى 95 بالمائة من مجموع نسب الدمار.

ستضم إلى جانب المكتبة، قاعات دراسية وصالات للمؤتمرات وقاعات للمعارض ومسرحًا كبيرًا

والمكتبة الآشورية التي تسعى جامعة الموصل لإحيائها، امتدت تسميتها من مكتبة آشور بانيبال أو المكتبة الملكية والتي تم تأسيسها في القرن السابع قبل الميلاد وسميت نسبة إلى آشور بانيبال آخر أشهر ملوك الإمبراطورية الآشورية.
وضمت تلك المكتبة الآلاف من الألواح الطينية ونصوصا تضمنت موضوعات مختلفة تعود للقرن السابع قبل الميلاد، وقد عثر عليها في موقع حفر أثري بمنطقة نينوى القديمة الساحل الأيسر للموصل حالياً. ولتوضيح الربط التاريخي للمكتبة الآشورية في الموصل، قال منقب الآثار في مفتشية آثار وتراث نينوى مصطفى يحيى فرج في حديث مع "العربي الجديد" إن "مكتبة آشور بانيبال أسسها الملك الآشوري آشور بانيبال 669-631 ق. م في قصره بمدينة نينوى، وتعد أول مكتبة ملكية في التاريخ، وقد اكتشفت في أواسط القرن التاسع عشر وبلغ مجموع الرُقم الطينية المكتشفة أكثر من 30 ألف رقم، وجميعها محفوظة في المتحف البريطاني".
وأضاف فرج: "بعد دراسة نصوص هذه المكتبة، تبين وجود كادر إداري متكامل من كتبة وموظفين يشرفون على جمع وكتابة النصوص وتصنيفها، كما وتبين أن المكتبة مصنفة وفق نظام يدعى التصنيف الملكي وبحسب المواضيع، كما وتم اكتشاف مجموعة من الرُقم الطينية عبارة عن فهارس لمواضيع النصوص، منها كمثال ثلاث رُقم طينية تضم المواضيع الأدبية وهي تمثل أول محاولة لتصنيف وإدارة المكتبات في التاريخ".

وتابع: "المكتبة التاريخية كانت تحتوي على نظام الإعارة حيث يمكن للأشخاص استعارة الرُقم الطينية لغرض القراءة والمطالعة وإعادتها بعد مدة من الزمن"، مبيناً أن المكتبة ضمت نصوصاً في علوم الجغرافيا والطب والكيمياء والفلك والتنجيم والنصوص الدينية والأدبية والاقتصادية وقوائم وفهارس معجمية بأسماء المدن والأقاليم والأنهار والحيوانات والنباتات فضلاً عن التقارير العسكرية والملكية.

وأكد فرج أن مكتبة آشور بانيبال تعد الآن أثمن ما يمتلكه المتحف البريطاني من المجموعات الأثرية، فقد كانت نصوص هذهِ المكتبة الأساس الذي بُني عليه علم الآشوريات وفك رموز الكتابة المسمارية والمصدر الرئيس لثقافة وآداب بلاد الرافدين القديمة، ومدخلاً لعلوم ومعارف العالم القديم. وتضم جامعة الموصل أيضاً المكتبة المركزية، والتي أعيد افتتاحها بعد إعمارها بالكامل بعد الدمار الذي لحق بها أثناء المعارك بين القوات العراقية وتنظيم داعش. وتعد المكتبة المركزية بجامعة الموصل واحدة من أكبر المكتبات في الشرق الأوسط، لكن تنظيم الدولة دمر جميع كتبها تقريبا والتي يصل عددها لملايين الكتب والبحوث والمخطوطات النادرة. 
ووصفت يونسكو ما حدث للمكتبة المركزية بأنه أكثر أعمال التخريب المدمرة لمقتنيات مكتبة في تاريخ البشرية، وأصبحت بقاياها السوداء المتفحمة رمزاً يدل على حجم الدمار بالموصل. المساعد العلمي لرئيس الجامعة منير سالم أعرب عن أمله في البدء قريباً باستئناف العمل في مشروع المكتبة الآشورية، لاسيما وأن مجلس الوزراء أصدر قراراً في وقت سابق يتضمن التوجيه بإنجاز المشاريع المتلكئة والمتوقفة وذلك من خلال إحالة العمل لشركات ثانية.
وقال سالم لـ"العربي الجديد": "المشروع يمثل بصمة لجامعة الموصل والعراق والعرب والإنسانية، لأنه يعيد سيرة أقدم مكتبة في العالم كانت تحوي الكتب برقع طينية وكان الناس يقرؤونها". وأشار إلى أن عدم وجود التخصيصات المالية في السنوات السابقة، إضافة إلى سيطرة تنظيم داعش على الموصل تسبب بعدم إكمال العمل فيها. ووصف سالم مشروع المكتبة الآشورية بأنه أحد عوامل الفخر في جامعة الموصل التي استطاعت بفترة وجيزة تمثلت بخمس سنوات إعادة إعمار أغلب البنى التحتية المدمرة فيها.

المساهمون