استمع إلى الملخص
- شهد عالم الفن انقساماً بعد العدوان الإسرائيلي، حيث وقع آلاف الفنانين على رسالة تدعم التحرر الفلسطيني، مما أدى إلى إقالة ديفيد فيلاسكو من مجلة "آرتفوروم".
- توسعت دعوات المقاطعة لتشمل فعاليات عالمية مثل "يوروفيجن"، وأثرت على قرارات تمويل المهرجانات، مثل مهرجان SXSW، تضامناً مع القضية الفلسطينية.
في اليومَين الماضيَين، ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لعملية طوفان الأقصى، ثمّ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، نشر الإعلام الفرنسي سلسلة مواضيع، ركزت بأغلبها على لحظة 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وأثرها على الإسرائيليين. صحيفة لوموند ركزت بشكل خاص على أثر عام الإبادة على جوانب مختلفة من الحياة الإسرائيلية، خصصت مقالاً للمقاطعة الفنية التي طاولت فنانين من دولة الاحتلال أو متعاطفين معها.
طبعاً سياق التقرير الذي حمل عنوان "منذ السابع من أكتوبر، الفنانون يواجهون المقاطعة"، يتعاطف مع الفنانين الإسرائيليين في وجه الحملة عليها. يستعيد التقرير قصة التاجر الفني الباريسي أوليفييه والتمن. هذا الأخير نظّم معرضاً لـ40 فناناً إسرائيلياً في باريس، بعنوان "هل ستسمع أصواتهم؟"، على أن يعود ريع المبيعات لعائلات الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. لكن بحسب الصحيفة الفرنسية، فضّل والتمن إقامة معرضه بصمت، خوفاً من ردود الفعل الغاضبة ودعوات المقاطعة. من قصة التاجر الفني، ننتقل إلى قصة تاجر آخر يهودي، هو فرانك إل باز الذي تعرضت لوحة معدنية يملكها للتخريب.
وضعت الصحيفة ما سبق في إطار الأحداث المعادية للسامية، مستعيدة سلسلة أحداث في عالم الفن الفرنسي والعالمي لتأكيد نظريتها عن انحياز عالم الفن للفلسطينيين، مكررة مقاربتها التي تشبّه السابع من أكتوبر بحرب الإبادة التي أدت إلى استشهاد 41 ألف فلسطيني حتى الآن.
أولى علامات الانقسام في عالم الفنّ، كانت في 19 أكتوبر 2023، بعد أقل من أسبوعين من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة. إذ وقّع آلاف الفنانين والأكاديميين والعاملين في مجال الثقافة، ومن ضمنهم رئيس تحرير مجلة آرتفوروم ديفيد فيلاسكو، على رسالة مفتوحة دعمت التحرّر الفلسطيني، وانتقدت صمت المؤسسات الثقافية تجاه القصف الإسرائيلي لسكان غزة. ولم تشر الرسالة في البداية إلى عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة "حماس" في 7 أكتوبر.
بعدها بأيام أقيل فيلاسكو بعدما قال مالكو "آرتفوروم" إنّ قرار الموظفين بنشر رسالة مفتوحة حول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فشلت في تلبية معايير المنظمة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز". وأعلن ديفيد فيلاسكو أنّه أقيل من دوره رئيساً لتحرير المجلة، بعد ست سنوات من توليه المنصب، مع العلم أنّه بدأ عمله في المؤسسة في عام 2005. وقال فيلاسكو، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إنّه "ليس نادماً"، لكنّه عبّر عن "خيبة أمله"، لأنّ "المجلة التي دافعت دائماً عن حرية التعبير وأصوات الفنانين خضعت للضغوط الخارجية".
كانت هذه أول مؤشرات الانقسام الكبير في عالم الفنّ، ليتوسّع سريعاً في الأشهر اللاحقة. الحدث الثاني الذي عرفته الساحة الفنية العالمية كان "يوروفيجن". إذ حضّ أكثر من 400 فنان أيرلندي، مواطنتهم التي مثلت البلاد في مسابقة الأغنية الأوروبية، بامبي ثاغ، على أن تكون "على الجانب الصحيح من التاريخ" من خلال مقاطعة هذا الحدث المقرر إجراؤه في مايو/ أيار المقبل في مدينة مالمو السويدية، بسبب مشاركة إسرائيل فيه.
وكتب هؤلاء الفنانون في رسالة مشتركة: "نطلب منكِ الانسحاب من يوروفيجن 2024 استجابةً لدعوة الفلسطينيين إلى مقاطعة المسابقة بسبب مشاركة إسرائيل". وأضافوا: "من خلال مشاركتِكِ في يوروفيجن، ستكونين إلى جانب الظالم".
وأشارت الرسالة إلى فنانين وموسيقيين أيرلنديين، مثل أعضاء فرقة الراب الناطقة باللغة الأيرلندية "نيكاب" Kneecap الذين انسحبوا من مهرجان الموسيقى SXSW في الولايات المتحدة الشهر الماضي احتجاجاً على رعاية الجيش الأميركي لهذا الحدث.
وأثارت مشاركة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن احتجاجات عدة في الدورة الأخيرة، بسبب الحرب في غزة التي دخلت شهرها السابع، وتركّزت الانتقادات على الجهتين المنظمتين، وهما الاتحاد الأوروبي للإذاعة والتلفزيون (EBU) والتلفزيون السويدي العام (SVT).
وفي خضمّ الأحداث الفنية الكبرى، عرف العالم في العام الأخير، دعوات مختلفة إلى مقاطعة الفنانين الإسرائيليين وأعمالهم في المهرجانات العالمية، آخرها في مهرجان تورنتو الذي أقيم الشهر الماضي. إذ قاطع عدد من صناع الأفلام والفنانين والناشطين اليهود المناهضين للصهيونية، لفترة وجيزة، العرض الأول لفيلم Bliss المُشارك في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في دورته الـ49. أشار المحتجون في بيانهم إلى ارتباط الفيلم بالكيان الصهيوني.
الفيلم المعروف بالعبرية باسم Hemda للمخرج شيمي زارهين (Shemi Zarhin) هو الفيلم الإسرائيلي الوحيد المدرج في قائمة مهرجان تورنتو هذا العام، وهو أكبر مهرجان سينمائي في أميركا الشمالية. اختير الفيلم ليعرض ضمن قائمة الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، وتدور أحداثه حول زوجين مُسنين يعيشان في شمال "إسرائيل"، ويواجهان الصعوبات اليومية للحياة الأسرية.
دعوات المقاطعة، أدّت أيضاً إلى اتخاذ مهرجانات عدة، قرارات بتغيير مصادر تمويلها. نذكر على سبيل المثال قرار مهرجان الابتكار والترفيه الأميركي SXSW الذي وافق على تغيير مصادر تمويل دورة العام المقبل، متخلياً عن أموال دعم الجيش الأميركي والشركات العسكرية، RTX كوربوريشن الدفاعية والشركة التابعة لها "كولينز آيروسبيش". وهي خطوة تأتي بعدما انسحب من دورة هذا العام العشرات من الفنانين والمتحدثين من مهرجان الموسيقى والفنون الذي يقام في أوستن بتكساس الأميركية، احتجاجاً على رعاية الحدث من قبل الجيش الأميركي، وتضامناً مع فلسطين.