المسلسلات الصوتية... عالم يتشكّل في غرف مظلمة

05 يوليو 2022
تأثرت دور العرض السينمائي بسبب جائحة كوفيد-19 (فاضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

أتاح ازدهار سوق البودكاست والكتب المسموعة تحرر الصوت من إطار الصورة. بهذا، تشكّل المسلسلات الصوتية في نظر بعضهم خطراً على الفن السابع، في حين يرى فيها آخرون فرصة له. في وسط غرفة مظلمة مستطيلة الشكل، وعازلة كلياً للصوت، جلس شخصان وجهاً لوجه أمام ميكروفون، وقاطعهما رجل ثالث على كرسي بذراعين قائلاً: "سنعيد التسجيل مجدداً، ولكن بطريقة تبدو مقروءة أقل هذه المرة... أكشن!".

هكذا تجري الأمور في جلسة تسجيل الرواية الصوتية "باتمان أنبيريد" (Batman Unburied) التي حضرتها وكالة فرانس برس. ووفرت منصة سبوتيفاي هذا الإنتاج الضخم في الربيع في تسعة بلدان. تجرأ المسلسل الصوتي على تحويل المناخ ذات الطابع السينمائي جداً لمغامرات البطل الخارق إلى عمل صوتي من دون صورة.

ليست المسلسلات الصوتية جديدة، إذ سبق أن حققت أعمال منها، مثل "كولز" من "كانال+"، و"لامبالواييه" من "سبوتيفاي"، و"مون برانس آ لا مير" من "أرتيه"، نجاحاً واسعاً، لكنّ إنتاجها تسارع في الأشهر الأخيرة، وأصبح أكثر احترافية، وتنوع ليطاول كل فئات الجمهور، إذ شمل، على سبيل المثال، حكايات للأطفال، وأعمال تشويق، أو أخرى كوميدية.

وكانت رئيسة "أوديبل فرانس"، المملوكة لمجموعة أمازون العملاقة، آينارا إيباس، قد لاحظت، في تصريح لوكالة فرانس برس، لدى إطلاق العمل الصوتي الجديد، "ستيكس"، في فبراير/شباط الفائت، أن "الزيادة الكبيرة للإقبال على الاستماع إلى المحتويات الصوتية، كانت بدأت أصلاً إلى حد كبير، لكنها تسارعت بفعل تدابير الحجر" خلال الجائحة.

وأضافت: "أعتقد أننا احتجنا، أكثر من أي وقت مضى، وما زلنا نحتاج إلى هذه الفقاعات، إلى هذه المساحة الحميمة التي تتيح لنا الهروب" من الواقع. ولكن، نتساءل في هذا السياق: هل تشكل هذه المسلسلات الصوتية خطراً على الفن السابع، في وقت لم تستعدْ دور السينما حجم الإقبال الجماهيري الذي كانت تسجله قبل كوفيد-19؟

في هذا السياق، ترى المنتجة ليا مارشيتي أن الإنتاجات الصوتية "تتكامل" مع الفن السابع، وأن "الاستماع إلى مسلسل صوتي لا يحول دون الذهاب إلى السينما". وشاركت مارشيتي، التي انغمست في هذا العالم منذ سنوات، في إخراج مسلسل "بون نوي ما دوس" الذي بات متوافراً اعتباراً من 23 يونيو/حزيران الماضي، مع شارل دو سيّا.

وبالمنطق نفسه تحدث النجم الصاعد في السينما الفرنسية، دالي بن صالح، الذي أدى بصوته شخصية "الرجل الوطواط"، وشارك أيضاً في "ستيكس"، إذ يرى هو الآخر أن المسلسلات الصوتية "منصة جديدة وطريقة جديدة للترفيه عن الناس ورواية القصص الجميلة".

وقال أحد أبرز مهندسي الصوت في فرنسا، دانيال ديزيه، لوكالة فرانس برس، إن "الصوت كان دائماً يُعتبر عنصراً مكمّلا ضروريا للصورة"، منذ ظهور السينما. أما اليوم، فأحدثت المسلسلات الصوتية ثورة صغيرة، إذ بات الصوت يُستهلك وحده. ولاحظ ديزيه أن "الصوت يعيد الجميع إلى ذاكرتهم الشخصية، وهو ما لا تفعله الصورة". وأضاف "إنه لحظة مع النفس في مواجهة الحمل الصوتي الزائد في العالم".

وأشارت أينارا إيباس إلى أن الأجهزة المتصلة بالإنترنت، والتي يسهل استخدامها كالهاتف والجهاز اللوحي، تتيح تلبية الاحتياجات، خصوصاً "للأشخاص الذين ابتعدوا عن المطالعة الورقية أو الرقمية (...) ومعظمهم من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما (...) إذ يساعدهم الصوت على معاودة الاطلاع على هذا النوع من المحتوى".

أما مؤرخ السينما والأستاذ في جامعة ليون 2، مارتان بارنييه، فيرى أن لا شيء يحل محل تجربة السينما. وقال إن "مشاهدة باتمان على شاشة عملاقة مع صوت، يجعل الصالة تهتز، هي تجربة لا مثيل لها. حتى لو كان لدى الشخص سماعة رأس ممتازة في المنزل، فلن توفر له أبداً ما توفره السينما. هذه الأحاسيس لا تضاهى".

(فرانس برس)

المساهمون